Author

نقاش حول موت الأيديولوجية الإسلامية في تركيا

|
''هل عهد الأيديولوجية الإسلامية انتهى أم لم ينته؟ وما الأيديولوجية الإسلامية؟ وكيف سيكون مستقبلها؟ هل على كل مسلم أن يكون إسلاميا؟'' هذا ما ناقشه عدد من الكتاب خلال الأيام الأخيرة في أعمدتهم في الصحف التركية وما زال النقاش يدور حوله في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، في ظل صعود الأحزاب الإسلامية في دول الربيع العربي؛ بينما يرى بعضهم أن عهد الأيديولوجية الإسلامية انتهى مع التحوّلات التي عاشها الإسلاميون ووصولهم إلى السلطة، يقول آخرون إنها لم تمت ولن تموت، بل ستبقى ما بقي الإسلام. الخلاف بين الطرفين يبدأ من تعريف الأيديولوجية الإسلامية، وهي في تعريف الفريق الأول أيديولوجية فكرية وسياسية مُحْدَثَة ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر وبرزت في القرن العشرين كردة فعل على الرأسمالية والشيوعية، ترمي إلى أسلمة المجتمع من خلال السلطة وإقامة الدولة الإسلامية، لكنها فشلت في تجارب إيران وباكستان وغيرهما، ويرى هؤلاء أن الإسلام دين وليس بأيديولوجية وليس من الضروري أن يكون المسلم إسلاميا. وأما الفريق الثاني فيُعرِّفها بأنها حركة إصلاح بدأت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واستمرت من بعده على أيدي العلماء المجددين، بالتالي هي جزء لا يتجزأ من الإسلام، وتعني بناء الفرد والمجتمع على الأسس الإسلامية، لأن الإسلام ينظِّم حياة الفرد والمجتمع، وعلى ذلك يجب أن يكون كل مسلم إسلاميا. ويعد هذا الفريق الثاني جميع الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية ضمن الإسلاميين، فيما يحصر الفريق الأول الأيديولوجية الإسلامية بما يسمى ''الإسلام السياسي''. النقاش حول الإسلاميين ومدى ارتباطهم بالأيديولوجية الإسلامية ليس وليد اليوم، بل يتجدد هذا النقاش في تركيا بين الفينة والأخرى وهذه المرة أطلق شرارته الكاتب الإسلامي علي بولاتش بسلسلة مقالات نشرها في عموده في صحيفة ''زمان'' التركية انتقد فيها ابتعاد الإسلاميين عن الأيديولوجية الإسلامية في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية ودعا إلى إحياء الأيديولوجية الإسلامية من جديد. ورد عليه الكاتب ممتازأر توركونه في الصحيفة نفسها قائلا إن الأيديولوجية الإسلامية كانت يوتوبيا الإسلاميين في القرن الماضي، ولكنها ماتت ولم تعد مطروحة في الألفية الثانية، وأضاف توركونه متسائلا: ''ألا يكفي اسم ''المسلم'' للإسلاميين؟''، وتوسعت دائرة النقاش بعد ذلك بمشاركة كتاب ومثقفين آخرين من الإسلاميين وغيرهم. الإسلاميون في تركيا كانوا معارضين للنظام العلماني وكانت مشاريعهم المستقبلية وشعاراتهم المفضَّلة ومواقفهم من القضايا المختلفة ذات طابع إسلامي، لكن معظمهم تخلوا عنها بعد التدخل العسكري في 28 شباط (فبراير) 1997 والإطاحة بحكومة نجم الدين أربكان الائتلافية. ومع تأسيس حزب العدالة والتنمية تبنوا الديمقراطية المحافظة بدلا من الأيديولوجية الإسلامية وغيَّروا خطابهم وشعاراتهم وتحالفوا مع القوى الأخرى كالليبراليين في معركة تعزيز الديمقراطية والحد من نفوذ العسكر، وأصبح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من أهم أهدافهم، بينما كانت قبل ذلك إقامة سوق إسلامية مشتركة واستخدام عملة إسلامية موحدة في جميع الدول الإسلامية من أبرز شعاراتهم. ومن الانتقادات الموجهة للإسلاميين أنهم أصبحوا تجارا ومقاولين يدافعون عن النظام بعد أن كانوا مجاهدين في سبيل الله ومعارضين للنظام القائم، بمجرد وصولهم للسلطة والتمتع بإمكاناتها ونعمها. النقاش حول الأيديولوجية الإسلامية والإسلاميين لا ينتهي خاصة مع وجود قراءات مختلفة لما مضى من التجارب وعدم الاتفاق على تعريف الأيديولوجية الإسلامية، لكن هذا النقاش لا يستقيم دون مقارنة ما قبل حزب العدالة والتنمية وما بعده في ظل التحولات التي عاشها الإسلاميون. بمعنى آخر، يجب أن يتم تقييم كل مرحلة في ظروفها ومعرفة مدى واقعية الآراء التي كان الإسلاميون يطرحونها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إضافة إلى النظر في سلبيات ما وصلوا إليه اليوم من النتائج وإيجابياته في إطار الإسلام. وهل يفرض الإسلام على المسلمين مثلا إقامة سوق إسلامية مشتركة أو استخدام عملة موحدة حتى يكون المسلم ملزما بما يطرحه الإسلاميون؟ وهل انضمام دولة ذات أغلبية مسلمة إلى الاتحاد الأوروبي يعارض الإسلام؟ وهل يحرم الإسلام على المسلمين التجارة أو الاستفادة من إمكانات السلطة في الإطار الشرعي؟ وما إلى ذلك من الأسئلة التي تجب الإجابة عنها قبل توجيه الاتهام إلى فريق أو ذاك بأنه تخلى عن الأيديولوجية الإسلامية. وهناك انتقادات أخرى موجَّهة لمن يدافعون عن الأيديولوجية الإسلامية ويدعون إلى تجديدها وإحيائها، وعلى رأس هذه الانتقادات أن التركيز على إقامة نظام إسلامي وأسلمة الحياة الاجتماعية يأتي بإهمال الاهتمام ببناء الفرد المسلم وأن دعاة الإسلاميين يحاولون فرض آرائهم الشخصية على المجتمع ويصنِّفون الناس على أهوائهم، ما يؤدي إلى التشدد والتكفير والتفرقة بين المسلمين. وإضافة إلى ذلك، ليس هناك إجماع بين الإسلاميين على أي نموذج للأيديولوجية الإسلامية يجب اتباعه وتطبيقه؛ هل إسلامية إيران وحزب الله أو إسلامية جماعة الإخوان المسلمين أو النموذج التركي؟ ومن المفارقات أن الكاتب الإسلامي علي بولاتش الذي فجَّر النقاش حول الأيديولوجية الإسلامية متحدِّثا بحرقة عن وضع الإسلاميين يعادي الثورة السورية ويراها مؤامرة غربية. فهل يجب على المسلمين تبني الأيديولوجية التي يدعو إليها بولاتش التي تعني بامتياز الاصطفاف مع القتلة والسفاحين؟
إنشرها