القياس المحاسبي والمصرفية الإسلامية

القياس المحاسبي والمصرفية الإسلامية

يتمركز القياس المحاسبي في عمق الفكرة المحاسبية، حتى أن المحاسبة المالية - ببساطة شديدة - هي مجرد وسيلة مُنَظَّمة لقياس نتائج العمليات التجارية. تتركز أهمية القياس المحاسبي في تأثيره المباشر على نتائج المعلومات المحاسبية التى تستخدم في صنع القرار. لذا، تعد طرق القياس وملائمتها للواقع من أكثر المسائل المثيرة للجدل سواءً بين المهنيين أو الأكاديميين أو مستخدمي المعلومات المحاسبية. كانت المحاسبة المالية، والقياس خصوصا، تحت المجهر خلال فترة التغييرات الاقتصادية الجوهرية في العقدين الأخيرين. من هذه الأحداث: توحيد المعايير المحاسبية دولياً والفضائح المالية (قضية شركة إنرون مثلا) والأزمات الإقتصادية المتلاحقة أو حتى تعقيدات العمليات المصرفية والثورات التقنية والمعلوماتية المختلفة وهذا ما يطرح السؤال المنطقي، ماذا عن التمويل الإسلامي؟ ما الفرق الذي ستحدثه هذه الاعتبارات المحاسبية في صناعة الصيرفة الإسلامية؟ هل هناك دور جديد لقياس محاسبي من منظور إسلامي؟! تعيش المصرفية الإسلامية، كمحرك طموح للاقتصاد الإسلامي، مرحلة نمو مميزة تشبعت بالوصوفات الإعلامية والقياسات التوقعية والإثارة المتزايدة عالمياً. ولكن، تفتقد المصرفية الإسلامية اليوم إلى الدعم الفني في مجالات متعددة مثل إبتكار المنتجات وتنظيم الأسواق والبيئة القانونية والأنظمة الداعمة المتخصصة، كالمحاسبة مثلاً. لم توضع المحاسبة تحت الضوء بعد، وهي أداة فنية ذات حساسية عالية وأهمية كبيرة جدا تظهر خصوصا في أوقات الأزمات، حين يوجه اللوم إليها في العادة. ومع الإعتراف بالجهود المميزة الملحوظة لأكاديميين مجتهدين ومؤسسات دولية معروفة (كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية)، إلا أن ما قُدّم حتى الان لم ينقل المحاسبة المالية من منظور إسلامي الى مايجب أن تكون عليه. المتوقع أن تكون المحاسبة المالية أداة داعمة لهذه الصناعة وإطار منظم قادر فنياُ على تقديم المعلومة الملائمة والموثوق بها لصانع القرار. حتى الجدل والطرح بين المختصين في البلدان التي تمارس الصيرفة الإسلامية لم يصل بعد إلى المستوى الذي يستحقه. الحديث عن القياس كما أشرنا يستوجب النظر أولا في أهداف المحاسبة المالية وتحديد متطلبات الإطار النظري في هذا الخصوص. يأتي بعد ذلك النظر في خيارات القياس المتعددة ومدى ملائمتها لبيئة الأعمال ومن ثم تحديد الخيار الأنسب أو مجموعة الخيارات المناسبة للتطبيق. يضيف المنظور الإسلامي أبعادا جوهرية أخرى الى المسألة، كمدى تحقيق وسائل القياس المحاسبية للمقاصد الشرعية إضافةً إلى قدرتها على تفادي المحظورات مع التمتع بِحرّية تطبيقية جيدة. استخدام "معدل الفائدة" كمعامل خصم في تطبيقات تحديد قيمة الأصل المستقبلية مثلا، يشكل تحدي كبير في القياس المحاسبي من المنظور الإسلامي. وهنا يقع عامل الربط بين القياس المحاسبي (كتطبيق فني مقنن) والمصرفية الإسلامية (كصناعة جديدة متطورة). وبالتأكيد يقع الجزء الأكبر من العمل على عاتق المتخصصين والمؤسسات التي تتبنى هذه الصناعة وتدعمها وتستفيد منها. وقبل محاولة الإجابة على الأسئلة التي قد تظهر هنا، يجب أولا التعرف على أهداف مستخدمي التقارير المالية للمؤسسات المصرفية الإسلامية وإعادة اكتشاف أهداف المحاسبة المالية وبالتالي تصور نماذج القياس الملائمة لها.
إنشرها

أضف تعليق