Author

كلنا فزنا بالميدالية الذهبية

|
نعم كلنا فزنا بالميداليات الذهبية لأننا أبهرنا أنفسنا والعالم بإنجازاتنا. في مباراة المبارزة بالسيف فاز فريق هيئة مكافحة الفساد على فريق وزارة الصحة وأثبت بعد مبارزة طويلة أن الصراصير وسوء النظافة وانقطاع المياه وعدم كفاءة أجهزة التكييف في قسم التنويم وتوقف محطة معالجة المياه ومحطة معالجة المجاري عن العمل في مستشفى المجاردة في عسير ليست من أخلاقيات المباراة. وبما أن المبارزة هي رياضة الهجوم والدفاع بين متنافسين يحاول كل منهما أن يسجل لمسة على الآخر، فعلى وزارة الصحة أن تدافع عن موقفها وخاصة وضع دورات المياه المتهالكة وسكن العاملين ورشح المياه من السقف المستعار وسوء نظافة المطابخ وانتهاء العمر الافتراضي لكل مستودعات تخزين أدوية الوزارة وتدلي الأسلاك الكهربائية على الجدران بشكل عشوائي في مستشفياتها. أما في سباق السيارات، فقد فازت جدة بالميدالية الذهبية بامتياز، حيث وصل معدل الحوادث المرورية في مدينة جدة إلى 400 حادثة يومياً. لعلي أذكركم بإحصائية تم نشرها هذا الأسبوع وهي أن محققي شركة ''نجم'' باشروا منذ بداية عملهم ما يقرب من 55 ألف حادثة مرورية في جدة فقط. وفازت شركة الكهرباء بالميدالية الذهبية في السباحة، حيث علّقت الشركة حوادث انقطاع الكهرباء على الشماعات الثلاث المعروفة: حرارة الصيف وزيادة الأحمال وارتفاع نسبة الرطوبة. ومن الآن فصاعداً على المواطنين - خاصة في الشرقية وجدة - التعود على السباحة في الرطوبة. أما في حائل فقد اضطر الأهالي إلى الاستماع إلى خطبة الجمعة في سياراتهم لانقطاع الكهرباء. الطائف لم تكن أفضل حالاً، فمصيفنا الوحيد وخاصة أحياء الشطبة، والنزهة، وأم السباع، والشهداء ''غرقت'' في ظلام دامس.. يعني على الأقل الغرق في العتمة أرحم من الغرق في الماء. كذلك فازت شركة الكهرباء على سكان أحياء شرق وجنوب الرياض في تكرار انقطاع التيار الكهربائي وخاصة في السليمانية والشفا والسويدي والمروة والتعاون والندوة. الميدالية الذهبية لرياضة الجمباز كانت من نصيب رجال الأعمال بفوزهم الساحق على الشباب الباحثين عن العمل من الذكور والنساء. لن أسبب لكم الصداع بإعادة تكرار الإحصائيات، ولكن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أكد أن نسبة البطالة في الوطن العربي بين 15 - 20 في المائة مقابل 6 في المائة عالمياً ومن المتوقع أن يصل عدد المتعطلين عن العمل خلال العام الحالي إلى 25 مليون عربي، ما يتطلب استحداث خمسة ملايين فرصة عمل سنوياً لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة. ما علاقة رياضة الجمباز بالبطالة؟ على الشاب أو الفتاة أن ''يقفزوا'' من شركة إلى أخرى ومن مؤسسة رسمية إلى مؤسسة نصف رسمية أخرى طلباً للقمة العيش. وبما أن الجمباز رياضة تتضمن أداء سلسلة حركات تتطلب القوة، والمرونة، والسرعة، والبراعة، فإن على المواطن أن يتمتع بكل هذه الصفات مجتمعة ويقفز في الهواء لتحدي الفقر والمهانة. علينا أن نعلم أن الذي انتصر أيضاً في مباراة الجمباز على الشباب آفات اجتماعية واقتصادية خطيرة تهدد أمن الوطن. وفي مباراة الرماية فازت شركات النظافة بالميدالية الذهبية حيث تكدست النفايات في عدة مناطق في المملكة وخاصة الأسواق المكشوفة والأحياء. من غير المقبول أن ''نرمي'' أطنانا كبيرة من النفايات في الطرقات والأحياء السكنية وممرات الأسواق، وأمام المحال التجارية لأي حجة كانت. لا ألوم عمال النظافة فهم يعملون تحت لهيب الشمس الحارقة ببضع مئات من الريالات وفق توقيت عمل رسمي، بل ألوم أنفسنا نحن لمهارتنا في ''رمي'' النفايات بطرق وأساليب بدائية فشوهنا شوارعنا التي استضافت الحشرات الضالة الناقلة للأمراض. الأصل في الرماية هو التصويب على هدف، ولكننا أخطأنا في الرمي والتصويب والهدف. تحدثت في عدة مقالات سابقة عن جشع التجار وما زالت الظاهرة كما هي بل تزداد سوءاً، لذلك فقد كانت الميدالية الذهبية في المصارعة من نصيب التجار. لا يكفي أن تتصاعد حدة الشكاوى على ارتفاع الأسعار في أسواق الخضار في مختلف أنحاء الوطن. لا يجب أن نسمح للتجار بالفوز بالضربة القاضية على المواطن والمقيم. كذلك ألوم ''الحكم'' الذي غاب عن مراقبة الأخطاء الجسيمة وعدم التوازن الجسمي والاعتباري في المباراة. هناك أيضاً هيمنة الباعة الأجانب الذين باغتوا المستهلك بضربات عدة تحت الحزام. ولنا في كرة القدم من الذهب نصيب. الأمين السابق المتهم بالتورط في تهم عدة في كارثة سيول جدة يؤكد أنه لم يكن يعلم بالأمر السامي القاضي بمنع البناء في بطون الأودية. وبعد ''التسخين''، صرح سعادته بأن العين العزيزية ''مررت'' له خطاباً عن الموضوع فطالب بدوره ''برمية التماس''. ''باصى'' الأمين السابق الكرة للأمانة وردت الأمانة - المعروف عنها مهارة ضرب الكرة بالرأس - بأن الموقع خطير ولا يمكن البناء فيه (يعني فاول). أما المتهم الثاني وهو رجل أعمال تتهمه هيئة الرقابة والتحقيق بدفع رشوة مقدارها خمسة ملايين ريال للأمين السابق، والمعروف بالمراوغة بسحب الكرة للخلف ثم دفعها للأمام فلعل هذه الرشوة بأنها وصلت بواسطة ''تمريرة أرضية'' من المتهم الثالث. إذن ''كارت أصفر'' للمتهم الثالث وهو بالمناسبة رجل أعمال آخر ولاعب حريف موقوف على ذمة قضايا أخرى مقابل إخلاله بأداء وظيفته وبموافقته على تعديل نظام البناء في مخطط خاص في جدة. وصلت ''التمريرة'' إلى المتهم الرابع وهو وكيل سابق للأمين فجرى بالكرة مسجلاً ''ضربة ركنية''. الوكيل السابق طلب من ممثل الادعاء تقديم المستندات التي تثبت صحة قرار الاتهام، طبعاً ''أوف سايد'' على القضية برمتها. لم يتمكن المتهم الرابع من التصدي للكرة وجرى بها نحو الهدف، خطفها مشرف المشاريع (المتهم بالتقصير في متابعة المشاريع وإساءة استعمال الأنظمة والتعليمات).. هل هي ''تسلل'' أم ''ضربة جزاء''؟ يبدو أن المشرف سيعدي بها كما ''عدى'' غيره بخفة ومهارة من المسؤولية والاتهام.
إنشرها