الشعب العنيد والشعب المتعاون

الشعب العنيد والشعب المتعاون

أحبك يا أُمتي ويا وطني وأغار عليكم، هذه هي البداية التي أفضل أن أبدأ بها هذه التدوينة، وهذه هي الحروف النابعة من القلب وبكل بساطة وثقل في المعنى، وأنا على يقين أن هذا الحب وهذه الغيرة لا أنفرد بها وحدي، أن لم يكن هناك من هم أكثر بلاغة مني في التعبير وأكثر حرصاً مني على أُمتهم وأوطانهم.

الثقة واجبة والمسؤولية مشتركة بين أفراد ومؤسسات المجتمع. لا تنهض أمة من العدم، ولا تنهض أمة من الغنم!، إن تعاوننا ودعم بعضنا لبعض وإحسان النية فيما بيننا واجب، أحلامنا كثيرة وواقعنا مر -الاعتراف والمواجهة قد يكون نصف الحل- جميعنا يتمنى أن يعود مجد الأمة الإسلامية وعلوم أسلافنا الأطهار الطيبين، صدق من قال “إن الحدود لطاقة البشر ليست هي الحدود الخارجية التي تحاصرهم، بل هي الحدود التي رسموها في عقولهم”.

أنقل لكم من صحيفة الاقتصادية ما قاله هذا النمر الآسيوي منذ أن كان شاب متمرد وعاملاً في كشك سجائر وطالب في كلية الطب إلى أن أصبح بطل إسلامي.

“كثيراً ما يمارس الأطفال هذه اللعبة: حيث يجلسون في دائرة، فيهمس أحدهم بشيء مَّا إلى جاره، الذي ينقل بدوره هذه المعلومة همساً إلى الطفل التالي، وهكذا حتى تكتمل الدورة. وحين تنتقل المعلومة من الطفل الأخير في الدائرة إلى الطفل الأول مرة أخرى تكون قد اختلفت تمام الاختلاف عما قاله الطفل الأول في البداية. وعلى ما يبدو أن شيئاً من هذا القبيل قد حدث داخل الكيان الاسلامي. ذلك أن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم أرسله الله بدين واحد وواحد فقط. ومع ذلك فقد أصبح لدينا اليوم آلاف الطوائف الدينية التي تزعم أنها تمثل الإسلام. وبعد أن تشرذم المسلمون بسبب التفسيرات المختلفة، فقد كفوا عن الاضطلاع بالدور الذي قاموا به ذات بوم في العالم، بل إنهم بدلاً من ذلك أصبحوا ضعفاء وضحايا. فالاختلافات بين الشيعة والسنُّة، على سبيل المثال، بلغت من العمق حداً جعل كل جانب يتهم أتباع الجانب الآخر بالكفر. ولقد أدى الاعتقاد بأن مذاهب الآخرين ليست من الإسلام في شيء وأن أتباع هذه المذاهب ليسوا من المسلمين، إلى نشوب حروب ضارية هلكت فيها ملايين الأرواح. وما زال ذلك الهلاك مستمراً وحتى بين أتباع كل من الطائفتين السنُّة والشيعة. هناك المزيد من الانقسامات فالسنُّة لهم أربعة أئمة والشيعة لهم اثنا عشر إماماً، وتختلف تعاليم كل إمام عن تعاليم غيره من الأئمة ثم هناك المزيد من الفِرَق، بما في ذلك الدروز، والعلويون، فضلاً عن ذلك فقد تلقينا عن علمائنا أن تعاليمهم لا ينبغي أن تكون محل تساؤل أبداً.

فالإسلام عندهم مسألة إيمان ولا بد أن يُصدق. أما المنطق والعقل فليس لهما هنا أي دور. ولكن ما ذا ينبغي علينا أن نصدق حين تعتقد كل شعبة من الإسلام أن الآخرين على خطأ ؟ فالقرآن الكريم كتاب واحد، وليس اثنين أو ثلاثة أو ألفا، وطبقاً للقرآن فالمسلم هو كل من يشهد “أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله” ودون إضافة مؤهلات أخرى، فإن كل من يلتزم بهذا المبدأ لا بد وأن يُعَد مسلماً ولكن لأننا نحن المسلمين نحب أن نضيف مؤهلات مستقاة في كثير من الأحوال من مصادر غير القرآن، فقد أصبحت وحدة ديننا منقوصة ولكن ربما كانت المشكلة الأعظم تكم في العزلة المتنامية للعلوم الإسلامية فضلاً عن كثير من جوانب الحياة لإسلامية عن بقية العالم المعاصر فنحن نعيش عصراً من العلم حيث أصبح بوسع الناس أن يروا ما تحجبة الجدران، وأن يسمعوا ويشاهدوا أحداثاً تقع في الفضاء الخارجي، وأن يستنسخوا الحيوان.

لكن الظاهر يوحي بأن كل هذه الأمور تتنافى مع معتقداتنا في القرآن الكريم وهكذا تكون الحال إذا ما كان أولئك الذين يفسرون القرآن قد تلقوا تعليماً دينياً بحتاً، بما يحتويه من تشريعات وممارسات وهم على هذا غير قادرين على فهم المعجزات العلمية التي نشهدها اليوم وبطبيعة الحال تبدو الفتاوى التي يصدرونها متنافية مع العقل، ولا يستطيع أن يتقبلها أصحاب المعرفة العلمية فقد رفض أحد علماء الدين على سبيل المثال أن يصدق أن الإنسان قد هبط بالفعل على سطح القمر، وهناك آخرون يؤكدون أن العالم قد خُلِق منذ ألفي عام. فمسائل مثل عمر الكون وحجمه مقاساً بالسنوات الضوئية هي في نظر العلماء الذين تلقوا تدريباً دينياً بحتاً، أمور لا يمكن استيعابها.

وهذا القصور في الفهم مسؤول إلى حد كبير عن الأحوال المحزنة التي صار إليها العديد من المسلمين والحقيقة أن العمليات القمعية التي نشهدها اليوم، من قتل وإذلال للمسلمين، لاتحدث إلا لأننا ضعفاء، على النقيض من المسلمين في الماضي، وقد نشعر بأننا ضحايا ونتوجه بالإنتقاد واللوم إلى المعتدين القامعين.

ولكن لكي نصدهم عن أنفسنا فيتعين علينا أن ننظر إلى أنفسنا أولاً لقد صار لزاماً علينا أن نتغير من أجل صالحنا وليس لنا أن نطالب من يحطون من شأننا بأن يتغيروا لمصلحة المسلمين، ماذا ينبغي علينا أن نفعل إذاً ؟ في الماضي كان المسلمون أقوياء لأنهم كانوا علماء ومتنورين كانوا يقرأون تعاليم ووصايا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكن القرآن لا ينص على ما ينبغي أن يُقرأ بالتحديد، والحقيقة أنه لم يكن هناك ما نستطيع أن نطلق عليه “علوم إسلامية” في ذلك الوقت، لذا فقد كانت القراءة بالنسبة لهم تعني قراءة كل ما هو متاح. لقد قرأ المسلمون الأوائل أعمال علماء الإغرق العظماء، سواء المتخصصين في الرياضيات أو الفلاسفة كما درسوا علوم الفرس، والهنود، والصينيين، وكانت النتيجة إزدهار العلوم والرياضيات، ولقد أضاف علماء المسلمين إلى كتلة المعارف العلمية، وطوروا فروعاً جديدة من العلم، مثل الفلك، والجغرافيا، وفروعاً جديدة من الرياضيات، فقدموا للعالم على سبيل المثال الرموز العددية التي مكنتنا فيما بعد من إجراء عمليات حسابية بسيطة ولا حد لها ولكن مع حلول القرن الخامس عشر تقريباً، بدأ علماء الإسلام في تحجيم وكبح الدراسة العلمية، وشرعوا في الاكتفاء بدراسة العلوم الدينية فقط، زاعمين أن أولئك الذين يدرسون العلوم الدينية وبصورة خاصة الشريعة الإسلامية هم فقط من يستحقون الفضل في الحياة الآخرة وكانت النتيجة ارتداداً فكرياً في العالم الإسلامي، في ذات الوقت الذي شرعت فيه أوروبا في أعتناق المعارف العلمية والرياضيات ومن هنا فبينما كان المسلمون يتراجعون فكرياً، كان الأوروبيون يبدأون نهضتهم، فطوروا وحسنوا السبل التي تعينهم على قضاء حوائجهم والوفاء بمتطلبات حياتهم، بما في ذلك تصنيع الأسلحة التي سمحت لهم في النهاية بفرض هيمنتهم على العالم.

وعلى النقيض من هذا، عمل المسلمون بصورة مُهلكة، على إضفاف قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم، حين أهملوا بل ورفضوا دراسة الرياضيات والعلوم “الدنيوية” كما زعموا عنها ولقد ظل قِصَر النظر هذا يشكل مصدراً أساسياً للقمع الذي يعاني منه المسلمون إلى اليوم فما زال العديد من المسلمين يدينون، بل ويجرمون مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك لأنه حاول تحديث دولته ولكن هل كان لتركيا أن تظل دولة مسلمة إلى اليوم لولا أتاتورك ؟ لقد ساعدت بصيرته الواضحة في إنقاذ الإسلام في تركيا وإنقاذ تركيا من أجل الإسلام.!!

إن العجز والقصور في فهم وتفسير الرسالة الحقيقية والأساسية للقرآن لم يقد المسلمين إلا إلى المحنة التي يعيشونها اليوم وحين اقتصرت قراءاتنا على العلوم الدينية وأهملنا العلوم الحديثة، فقد أدى بنا ذلك إلى تدمير الحضارة الإسلامية، وجعلنا نخسر مكانتنا في العالم يقول القرآن : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. سورة الرعد آية (١١) لكن العديد من المسلمين يستمرون في تجاهل هذه الحقيقة، ويكتفون بالصلاة والدعاء إلى الله أن ينقذ المسلمين وأن يعيد إليهم مجدهم الضائع لكن القرآن ليس تعويذة نضعها حول أعناقنا لتحمينا من الشر إن الله يعين فقط أولئك الذين يتفكرون.”
مهاتير بن محمد كان رئيس وزراء ماليزيا في الفترة من ١٩٨١ إلى ٢٠٠٣.

فإذا كُنت من الذين يحبون وطنهم وأمتهم فالتكن همتك همةُ الملوك ونفسك نفس حُر ترى المذلة كُفراً.

الأكثر قراءة