نظام للحماية من الإيذاء

مواجهة العنف المنزلي بين أفراد الأسرة الواحدة تطلبت أن يكون هناك نظام للحماية من الإيذاء بكل صوره وتحت أي اسم كان، ولأنه من المستغرب أن يصدر نظام جنائي الهدف منه ضبط سلوك أفراد الأسرة الواحدة، إلا أن هناك وقائع وأحداثاً وإن اتسمت بالفردية إلا أنها تكرّرت في أكثر من منطقة ومدينة وقرية يصل التشابه بينها إلى درجة كبيرة توحي بأننا أمام سلوك يجمع بين حالاته وجود علاقة وثيقة وقرابة وترابط يجعل من جميع الأطراف غرباء، فالأسرة، كما هو مفترض دائما، كالجسد الواحد القوامة فيه للأبوين أو لأحدهما يتعاونان في سبيل سلامة حياة وكرامة كل فرد فيها، بل حمايته من إيذاء الآخرين.
إن من يطلع على مشروع نظام الحماية من الإيذاء يجد أنه يعطينا تعريفاً دقيقاً لمفهوم الإيذاء الذي يأتي لمواجهته ومكافحة آثاره السلبية على الأسرة وأفرادها وعلى المجتمع بشكل عام، فالإيذاء هو كل شكل من أشكال الاستغلال أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد به يرتكبه شخص تجاه شخص آخر بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، ولقد توسع مشروع النظام في تعداد أشكال الإيذاء حتى أدخل ضمنها إساءة المعاملة مثل امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص آخر من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعاً أو نظاماً توفير تلك الحاجات لهم.
والأهم أن مشروع النظام يعطي الحق الذي يراه واجبا على كل من يطلع على حالة إيذاء بالإبلاغ عنها فوراً وعلى أن تتولى الجهة المتخصصة والشرطة تلقي البلاغات عن حالات الإيذاء، سواء كان ذلك ممن تعرض له مباشرة أو عن طريق الجهات الحكومية بما فيها الجهات الأمنية المختصة أو الصحية أو الجهات الأهلية أو ممن يطلع عليها، وسعيا من مشروع النظام إلى تحقيق أقصى درجات الحماية من الإيذاء فقد أعطى للجهة المتخصصة إمكانية الاستعانة بالجهات الأمنية المتخصصة إذا تبين أن التعامل مع حالة الإيذاء يستلزم التدخل العاجل أو الدخول إلى المكان الذي حدثت فيه واقعة الإيذاء طالباً من تلك الجهات الاستجابة الفورية للطلب.
ولاحتمال وجود خطأ في الإبلاغ فقد أعفى مشروع النظام المبلّغ ذا النية الحسنة من المسؤولية إذا تبين أن الحالة التي أبلغ عنها ليست حالة إيذاء، كما شدد على أنه لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلّغ عن حالة إيذاء إلا برضاه. أما العقوبات على من يرتكب فعلا يعتبر من الأفعال المجرمة تحت طائلة الإيذاء فإن مشروع النظام حددها بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد على 50 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين مع مضاعفة العقوبة في حال عاد إلى فعلته، وأتاح مشروع النظام للمحكمة إصدار عقوبة بديلة لعقوبات السجن وهي من العقوبات السالبة للحرية والتي تحبذ الأنظمة غالباً البحث عن بدائل لها.
إن مشروع نظام الحماية من الإيذاء يهدف أساسا إلى ضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعها مع تقديم المساعدة والمعالجة والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية المساعدة اللازمة، فضلاً عن محاسبة ومساءلة المتسبب في الإيذاء باتخاذ الإجراءات النظامية ضده ومعاقبته، والمهم هو الجانب الوقائي، فالنظام وقائي وتوعوي لأفراد المجتمع حول مفهوم الإيذاء والآثار المترتبة على ارتكابه ضد من يحتاج الحماية من أقرب الناس إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي