ما يكتبه الآخرون والخليجيون عن اقتصاد الخليج

إلى أي حد تبدو كتابات مراكز الدراسات الاقتصادية الأجنبية التي تكتب عن اقتصاد دول الخليج أو حتى خبراء المال والاقتصاد العاملين في المنطقة صحيحة؟ أي هل ما يتم نشره يمثل رأيا موضوعيا محايدا أم أنه يخدم أجندات خاصة لشركات أو دول؟ وبمعنى آخر: هل هذه الكتابات الزاهية تكتب لكي تدغدغ مشاعرنا بما نحب أن نكونه وتقوم بتسويق أفكار ورؤى نميل إليها على أساس أننا نحب النظر إلى أنفسنا على أساسها فقط، وبالتالي فهم يداهنوننا بها ويعطوننا ما نرضاه، وليس ما يجب معرفته صراحة كما هو أو على الأقل كما يعتقدون؟
وفي المقابل إلى أي حد أيضا يمكن أن تمثل كتابات المراكز الخليجية وكتاب الخليج وباحثيه وخبرائه في مجال المال والاقتصاد مقاربة موضوعية مبنية على الواقع وحقائقه والظروف المحيطة به كما يراها أهل الخليج؟ أي إلى أي حد يبدو الأمر كاشفا بصراحة لحال اقتصادنا الخليجي ومشخصا لنقاط القوة والضعف فيه، وما يتهدده من مخاطر أو ما يعانيه من عيوب هيكلية وغيرها؟!
لا يتعمد السؤال الأول الإشارة إلى ذهنية المؤامرة.. وأن الأجندات التي قد ينطلق منها الكُتَّاب الأجانب أو المراكز الأجنبية تستهدف موقفا تآمريا، وإنما أردنا من السؤال الانطلاق من حقيقة ضغط المكون الثقافي لغير الخليجي وتدخله في صياغة ما يكتبه عنا، وهو مكون أو محتوى ثقافي كامن بالأساس في إطار الأجندة التي يفكر من خلالها، فهو - أي الكاتب الأجنبي أو المركز - وإن صدر عن حيادية ونزاهة، فإنه - في الغالب - يكون أسير أفكار مسبقة قد لا يستطيع الفكاك منها بقدر ما تؤثر في مسار تفكيره، لينتج في ضوئها رأيا ينحاز فيه إلى المسبق على جديد قد يراه ليس أصيلا أو قد يراه هواجس وظنون ثانوية لا ترقى إلى مستوى المستقر عن النظرة لنا كمجتمع خليجي، وأنه لا بد أن يلحق باقتصادنا ما يلحق بنا من تلك النظرة المسبقة، وبالتالي لا تكون نتيجة الكتابة إلا مما يستدعي التريث معها في الاحتجاج بها والاستشهاد - سواء كانت مدحا أو قدحا أو مراوغة - وإنما الإفادة منها في المنهج ومعرفة كيف يرانا الآخرون وصورتنا في ذهنه. أما التشخيص والتوصيف والرسالة، فهي مهمتنا نحن في الخليج التي يفترض أن يكون أهل الخليج (مراكز وأبحاث وخبراء ودارسون) مسؤولين عن أن تكون كتاباتهم وتحصيلاتهم ليست أسيرة لتلك الكتابات الأجنبية أو منساقة للإعجاب بها والوقوع في إغرائها بطريقة أو أخرى. وهنا نكون قد خطونا في الإجابة عن السؤال الثاني خطوة إلى الأمام، فلكي تكون كتابات أهل الخليج عن اقتصادهم مقاربة موضوعية، مبنية على الواقع وحقائقه والظروف المحيطة كما يرونها، فإنه لا بد أن يحذر الخليجيون من الانزلاق إلى التسليم بما يقوله العالم المتقدم عنا لمجرد أنه فقط متقدم. ومرة أخرى ليس باعتبار كل ما يكتبونه عنا هو حالة تآمرية، بل للأسباب الثقافية الكامنة وراء عملية إنتاج هذه الكتابات كما سبقت الإشارة. وإلى جانب هذا الحذر، فلا بد بالضرورة أن يتوافر شرط الأصالة والمصداقية في التفكير وكتابة الرأي موضوعيا من قِبَل أهل الخليج، بعيدا عن انزلاق آخر كثيرا ما شوه الدراسات والبحوث والكتابات، وهو تدخل المجاملة والتبريرية في صلب الكتابة، سواء مجاملة الرسمي أو الاجتماعي، تحاشيا لقول مختلف لا يرضى عنه الآخرون، فالاقتصاد مسألة يترتب عليها في الأساس تقدم المجتمعات والدول والتعامل معه بالمجاملة والتبرير ينزع عنه القدرة على وصف الحقيقة الاقتصادية كما هي، والعجز عن تقديم رأي سديد مؤثر، بل يترك الاقتصاد الخليجي (مجتمعا أو مفرقا) في تشويش لا يمكن معه أن يستبين الخيط الأبيض من الأسود، بمعنى معرفة ما هو جدير من السياسات الاقتصادية للسير على أساسها، وما هو مطلوب الاستغناء عنه حتى لا يطول أمد الإعاقة ويزيد تعقيدها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي