التهديد الإيراني لدول الخليج ودستور «أوبك» (1 من 2)

التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، لم يكن موجهاً ضد الدول المستوردة للنفط الخليجي العربي فحسب، بل كان موجهاً أيضا ضد الدول الخليجية المصدرة للنفط، لأن الضرر من الإغلاق إذا تم سيلحق بالمستوردين والمصدرين على حد سواء. ومع ذلك لم تكتف إيران بهذا التهديد الشامل لطرفي تجارة النفط، وآثرت أن تخص الدول العربية الخليجية بتهديد خاص إذ صرح محمد علي خطيبي، ممثل إيران في مجلس محافظي منظمة ''أوبك'' يوم الأحد 15/1/2012 أنه (إذا أعطت الدول النفطية في الخليج الضوء الأخضر للتعويض عن النفط الإيراني في حال حظر شرائه وتعاونت مع الدول الغربية ''المغامرة'' ستكون المذنب الرئيسي وراء ما يمكن أن يحدث في المنطقة بما في ذلك مضيق هرمز، وبادرتها لن تكون ودية، وسيكون الرد الإيراني بيد الدوائر السياسية والأمنية. وعلى جيراننا العرب الامتناع عن التعاون مع هؤلاء المغامرين). وحذر من أن (منح الضوء الأخضر سيكون تاريخياً، وعندها سيكون من الصعب عودة الأوضاع إلى ما هي عليه الآن). وقال أيضاً (إذا أكدت دول الخليج بوضوح نيتها عدم تعويض الإنتاج الإيراني إذا فرضت عقوبات على طهران، لن تبدي الدول المغامرة اهتماماً بالحظر).
ويبدو أن هذا التصريح جاء كرد على تصريح علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي أدلى به يوم الأربعاء 4/01/2012 طمأن فيه الأسواق النفطية العالمية من خلال التأكيد بأن القدرة الإنتاجية للسعودية تبلغ 12.5 مليون برميل يومياً من النفط بينما يراوح حجم صادراتها بين تسعة إلى عشرة ملايين برميل يوميا، وبالتالي امتلاكها فائضاً في القدرة الإنتاجية يصل إلى أكثر من 2.5 مليون برميل، وهو فائض قادر على سد أي نقص قد يحدث في الأسواق، كما أكد انتهاج السعودية مبدأ الاعتدال والعقلانية في سياستها النفطية ووضع مصلحة الاقتصاد العالمي في الحسبان، كما أكد الوزير السعودي في تصريح آخر قدرة السعودية على زيادة الإنتاج نحو مليوني برميل يومياً بشكل شبه فوري وأنه لا يعتقد شخصياً أن مضيق هرمز في حال إغلاقه سيغلق لفترة طويلة لأن العالم لا يمكن أن يقبل ذلك. وفي 17/01/2012، دعا وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي السعودية إلى (إعادة التفكير) في تعهدها بزيادة إنتاجها من النفط واصفاً الخطوة السعودية بأنها (غير ودية). لكن الوزير النعيمي أكد مرة أخرى، في كلمة ألقاها يوم الاثنين 30/1/2012 أمام مؤتمر (مستقبل الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) في لندن، أن السعودية ستكون قادرة على سد أي نقص في إمدادات النفط في السوق بفضل استثمارها الضخم في طاقتها الإنتاجية النفطية، وأن السعودية ستظل موردا للنفط الخام إلى دول العالم يمكن الاعتماد عليه دوماً.
من جهة أخرى قرر الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين 23/1/2012م فرض حظر فوري على جميع العقود الجديدة المتعلقة بشراء واستيراد ونقل النفط الخام والمنتجات النفطية من إيران على أن يتم إنهاء العقود القائمة بحلول الأول من تموز (يوليو) 2012 وتجميد أصول للبنك المركزي الإيراني وحظر جميع أشكال التجارة في الذهب والمعادن النفيسة الأخرى مع البنك المذكور وسائر الأجهزة الحكومية الإيرانية. ونقلت وكالة (رويترز) عن مصادر اطلعت على قرار الاتحاد الأوروبي أن الحظر يشمل أيضاً شراء الشركات الأوروبية، النفط الإيراني لبيعه خارج دول الاتحاد. وكرد انتقامي على هذا القرار تدرس إيران فرض حظر فوري على تصدير النفط إلى أوروبا قبل أن تتمكن الدول الأوروبية من تدبير المصادر البديلة للنفط الإيراني.
وهنا لنا وقفة للتعليق فنقول ما يلي:
أولا: إن مجلس الوزراء السعودي سبق أن أعلن أن مقاطعة الواردات النفطية من أي مصدر، هو شأن داخلي يخص كل دولة، وأن مبيعات السعودية من النفط هي عملية تجارية بحتة تتم عبر الارتباط بين الشركات النفطية السعودية من ناحية، وشركات النفط التجارية التي تشتري النفط السعودي من ناحية أخرى، حسب الأسس التجارية والتسويقية المتعارف عليها. ومن ناحية أخرى رفض علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية ربط قدرات السعودية النفطية بالعقوبات على إيران وقال إن السعودية لديها زبائن تلتزم بتوفير الإمدادات النفطية لهم، مكرراً التأكيد على قدرة السعودية على تلبية حاجات عملائها من النفط وبشكل مضمون.
ثانياً: إن قرار الاتحاد الأوروبي بحظر شراء النفط الإيراني كان نتيجة دراسة استغرقت وقتاً من الزمن وكان في إطار المصالح الاستراتيجية الكبرى للدول الغربية. وقد جعل هذا القرار موقف دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 قريباً جداً من الموقف الأمريكي الهادف إلى تصعيد الضغط على إيران لوقف أو تقليص برنامجها النووي الذي تعتقد الدول الغربية ودول أخرى أنه يهدف إلى تصنيع أسلحة نووية، ولذلك فإنه ليس للدول العربية الخليجية شأن بالمقاطعة الأوروبية للنفط الإيراني.
ثالثاً: لقد استخف مسؤولون إيرانيون بالقرار الأوروبي، واعتبروه مجرد (دعاية)، لن يمنع بيع النفط الإيراني لأي بلد، وسيؤدي إلى رفع أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً، بل إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صرح بأن بلاده وصلت إلى مرحلة لم تعد تحتاج فيها إلى بيع أوروبا نفطاً، وأن الغرب هو الذي يحتاج إلى إيران التي لن تخسر من العقوبات التي ستضر بالدول الأوروبية لأن حجم التجارة معها يبلغ نحو 10 في المائة من إجمالي التجارة الإيرانية. وهنا يثور تساؤل إذا كان الحظر الأوروبي لن يضر إيران، بحسب زعم المسؤولين الإيرانيين، فهذا يعني أنه لا ضرر أيضاً على إيران من إقدام الدول الخليجية على زيادة إنتاجها النفطي لسد أي نقص قد يحدث في الأسواق الدولية وتبعا لذلك فإنه لا مبرر لانزعاج المسؤولين الإيرانيين من تأكيد الدول الخليجية قدرتها على زيادة الإنتاج لسد أي نقص في الأسواق الدولية. وهنا يصح التساؤل ما الذي يمكن أن تفعله إيران إذا قررت دول أخرى أعضاء في ''أوبك''، مثل ليبيا وفنزويلا، زيادة إنتاجها لمواجهة تزايد الطلب على النفط بسبب مقاطعة استيراد النفط الإيراني؟!.. هل ستهدد إيران هذه الدول باتخاذ إجراءات انتقامية ضدها كما هددت دول الخليج ؟!.. لا أظن ذلك، وإن هددت فلن يكون في مقدورها فعل أي شيء سوى الاحتجاج والاستنكار.
رابعاً: إن المسؤولين الإيرانيين يصفون الموقف السعودي بشأن الإعلان عن قدرتها على زيادة الإنتاج لسد أي نقص محتمل في الأسواق العالمية بأنه موقف غير ودي، متجاهلين أن التهديدات الإيرانية السابقة بإغلاق مضيق هرمز أمام الصادرات النفطية لدول الخليج العربي تعد في حد ذاتها تصريحات غير ودية بل يمكن وصفها بأنها إعلان حرب في حال تنفيذ هذه التهديدات.

المزيد من مقالات الرأي