استفتاء على أوباما

كثيراً ما يسعى المرشحون السياسيون الناجحون إلى تنفيذ المقترحات التي طرحوها في حملاتهم الانتخابية. ففي الولايات المتحدة، كان الرئيس باراك أوباما والديمقراطيون، عندما سيطروا على مجلس النواب ومجلس الشيوخ (المحصن ضد تكتيكات التعطيل) في عام 2009، يتمتعون بالسلطة اللازمة لتنفيذ كل رغباتهم - وهكذا فعلوا.
فقد استن أوباما وحلفاؤه في الكونجرس قانون ''التحفيز'' بمبلغ 800 مليار دولار، والذي كان محملاً بالبرامج الموجهة إلى الدوائر الانتخابية الديمقراطية الرئيسة، مثل أنصار حماية البيئة وموظفي القطاع العام؛ كما تبنوا برنامج إصلاح الرعاية الصحية الشامل الذي لم يحظ بشعبية كبيرة (والذي ستحدد المحكمة العليا مدى دستوريته هذا العام)؛ وفرضوا قيوداً تنظيمية جديدة ضخمة على أقسام عريضة من الاقتصاد؛ وتبنوا سياسة صناعية تختص شركات بعينها بمعاملة خاصة؛ وانخرطوا في مستويات من الاقتراض والإنفاق لم يسبق لها مثيل إلا أثناء الحرب العالمية الثانية؛ وركزوا السلطة في واشنطن العاصمة (وداخل الحكومة الفيدرالية، في الفرع التنفيذي والهيئات التنظيمية).
إن انتخابات 2012 ستتخذ هيئة الاستفتاء على سياسات أوباما وأدائه. فالاقتصاد يتحسن ببطء، ولكنه يظل في حالة سيئة، مع ارتفاع معدلات البطالة وخروج الملايين من العاملين من قوة العمل. ومن المتوقع أن يحتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس النواب وأن يستعيدوا سيطرتهم على مجلس الشيوخ.
والواقع أن حاكم ولاية ماساتشوستس السابق مِت رومني، المرشح الجمهوري الرئيس الذي سيخوض الانتخابات ضد أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر)، ومرشحي الحزب الآخرين بما في ذلك رئيس المجلس السابق نيوت جينجريتش، يريدون الحد من الإنفاق، وإصلاح البرامج الحكومية، وخفض الضرائب، والتوسع التجاري، كما يريدون الإقلال من القيود التنظيمية مقارنة بما يريده أوباما.
يتحدث رومني على سبيل المثال عن برنامج اقتصادي يتألف من 59 نقطة، بما في ذلك تحديد سقف للإنفاق الفيدرالي لا يتجاوز 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يتطلب تخفيضات مشابهة لتلك التي شهدتها فترة الثمانينيات والتسعينيات. ويتبنى جينجريتش والجمهوريون الآخرون أجندة أكثر قوة تقوم على خفض الضرائب والحد من حجم ونطاق الحكومة. وسيكون من الحكمة أن يعمل المرشح النهائي على دمج أفضل أفكار معارضيه وكبار الخبراء في حملته الانتخابية.
ومن المرجح أيضاً أن يشكل فوز الجمهوريين دفعة كبرى كفيلة بفتح المزيد من فرص التنقيب عن الطاقة داخل أمريكا، وهو ما كان أوباما حريصاً على تثبيطه. فقد وعد رومني بمفاوضات أكثر صرامة فيما يتصل بقضايا مثل التجارة والعملة مع الصين، ولكنه من المرجح عموماً أن يكون أكثر دعماً للاتفاقيات التجارية الجديدة مقارنة بإدارة أوباما المدعومة عُماليا. ولكن إذا نجح الديمقراطيون في الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ، فإن تحقيق هذه الغاية سيكون أكثر صعوبة. وسيتجه الرئيس الجمهوري إلى الاختيار من بين المسؤولين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة لشغل مناصب صنع القرار السياسي الرئيسة في الهيئات التنظيمية.
وإذا أعيد انتخاب أوباما، وسيطر الجمهوريون على مجلسي النواب والشيوخ، فإن أجندته التشريعية ستتحول إلى حبر على ورق في الأساس، وسينفق العامين المقبلين على الأقل في التفاوض على إصلاح هذه الأجندة أو خفضها. وفي هذا السيناريو فإن مركز ثِقَل السياسة في الحزب الجمهوري سيتحول نحو رئيس مجلس النواب جون بوينر، ورئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب بول ريان، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب إريك كانتور، وغيرهم من النواب الرئيسين، بما في ذلك ديفيد كامب، وكيفين برادي، وكيفين مكارثي، إلى جانب العديد من أعضاء مجلس الشيوخ.
وإلى أن يأتي تشرين الثاني (نوفمبر)، فإن الحكومة المنقسمة والحملات الانتخابية المثيرة للجدال من المرجح أن تعرقل أي تحركات سياسية مهمة. ولكن في أعقاب الانتخابات، ستتخذ أمور مثل الضرائب والإنفاق، والسياسة التجارية والفيدرالية، والتنظيم، والدفاع مسارات مختلفة (وسيتوقف مدى درامية هذه المسارات على من سيفوز)، وسيترتب على هذا عواقب بالغة الأهمية بالنسبة لموقف الولايات المتحدة المالي، وتوازنها الخارجي، والكثير غير هذا، بما في ذلك علاقات الولايات المتحدة ببقية العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي