Author

موقف المملكة من الأزمة السورية

|
تابعنا في مقال سابق تحليل الموقف السعودي من الأزمة السورية، ولكن تطور الأزمة ومكوناتها تطلب أن نعود إلى الموضوع، والجديد فيه هو استحكام الأزمة وفشل مهمة المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة، ثم استمرار المشهد المؤلم الذي يحرك هذه الأزمة على جميع الأصعدة، وهو استمرار نزيف الدم السوري، واستمرار تبرير الحكومة السورية له بأنه دفاع عن الوطن ضد المؤامرة التي تستهدف الوطن والنظام، وأن هذه المؤامرة تشارك فيها الجامعة العربية. وما دامت تلك هي قناعة النظام في سورية التي تبرر له استمرار إراقة الدماء، يصبح تدخل الجامعة بأي صورة خارج دائرة التعاون والتفاهم مع الحكومة السورية أمرًا مفهومًا. وإزاء فشل مهمة المراقبين مع استمرار إراقة الدماء، فقد قدرت المملكة أنه يتعين إدانة هذا النزيف سواء في قرارات مجلس الوزراء السعودي أو في تصريحات خادم الحرمين الشريفين؛ لأن أزمة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في العالم العربي يمكن التوصل إلى صيغة لها يقبلها الطرفان، أما الدم العربي فإنه حرام دينيًّا وسياسيًّا وإنسانيًّا، خاصة أنه أريق في سورية من الدماء ما يجاوز كل ضحايا سورية في صراعها مع إسرائيل في كل المواجهات، كما أن استمرار إراقة الدماء يستفز العالم ويدفعه إلى التدخل بما يضر بالمصالح السورية العليا. من ناحية أخرى، كانت المملكة قد بادرت بسحب أعضائها في لجنة المراقبين، وقالت في تبرير هذا السحب إنها لن تقبل أن تقدم لجنة المراقبين ـــ دون أن تدري ـــ غطاء لاستمرار إراقة الدماء، وكان الموقف السعودي حافزًا لموقف مماثل من بقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي. وكانت المملكة هي التي بادرت قبل هذه الأزمة بكسر الجمود في العلاقات السعودية ـــ السورية عندما بادر خادم الحرمين الشريفين بزيارة دمشق، ثم اصطحب معه الرئيس بشار الأسد إلى بيروت في أول زيارة لرئيس سوري للبنان منذ نشأة لبنان الحديث، وكان لهذه الزيارة مصلحة مزدوجة لسورية ولبنان معًا ولازمة لتحسين المناخ الداخلي بين القوى اللبنانية المنقسمة حول المحور السوري منذ اغتيال رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005. من ناحية أخرى، كان خادم الحرمين الشريفين هو الذي بادر في قمة الكويت الاقتصادية ربيع 2009 عقب محرقة غزة والأعصاب مشدودة والمؤتمر على فوهة بركان، وفي أعقاب فشل مؤتمر الدوحة مباشرة المخصصة لمناقشة أزمة غزة، قد بادر إلى بدء المصالحة بين الرئيسين السوري والمصري، وبين المصري وأمير قطر، وأعلن خط المصالحة العربية الضروري لأي عمل عربي مشترك. في ضوء ما تقدم، فإن مصداقية مواقف المملكة في المشهد السوري واضحة ما دام حرص المملكة على المصالحة العربية والسورية قد شكل خطًّا ثابتًا في سياستها العربية. ولا أظن أنني أدافع عن موقف المملكة ضد من يرون أن سحب المراقبين هو إفشال لمهمة لم تأخذ حقها وفرصها من النجاح، ولكنني أردت أن أستعيد خطوط الموقف السعودي المعروفة الهادفة إلى حماية الوطن السوري ووقف دماء الشعب السوري وتجنيب سورية مخاطر التدخل الأجنبي، ولكن الحل في يد الحكومة السورية لوقف النزيف والتعاون في خطة الجامعة، ووضع الشكوك السورية جانبًا والتركيز على الممكن للصالح العام لتجنب المزيد من الضحايا والمزيد من التعقيد.
إنشرها