Author

2012.. هل يستمر معه غياب النموذج الاقتصادي السعودي؟

|
عندما ضُرب العالم عام 2008 بأزمة مالية خانقة، ظن الجميع أنه بعد هذه الأزمة غير المسبوقة إطلاقا، سينتظر العالم عقودا طويلة حتى تتكرر مجددا، لكن ما حدث كان غير متوقع، فما إن أفاقت الولايات المتحدة والعالم من أزمته تلك، إلا والأزمة الأكبر والأخطر تطل على الجميع من باب منطقة اليورو، ودخل الاقتصاد العالمي في متاهة، لا يعلم أحد متى وكيف ستنتهي؟  كان تحذير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صادما وهو يقول “إذا انفجر اليورو انفجرت أوروبا.. إنه ضمانة السلام في قارة كانت ساحة لحروب فظيعة”، ويبدو أن بقاء اليورو على حاله أمر مستبعد على كل حال، أما إذا حدثت المفاجأة وبقي على حاله، فإنه سيظل كالرجل المريض المستعصي علاجه، وسيكون في حاجة ماسة إلى سنوات طوال حتى يمكن لدول الاتحاد الأوروبي الخروج من أزمة الديون التي طحنتها ولم تبق فيها ولم تذر.  الخطر الذي يواجهه العالم من كارثة السقوط الأوروبية يمكن تشبيهه بحجر الدومينو شديد الانفجار، فالعجز عن تسديد الديون السيادية سينتج عنه انهيار بنوك كبرى، مماثلة لبنك ليمان براذرز، عندها سينهار اليورو بكل تأكيد، وستنهار أوروبا بأسرها، فما الذي سيبقى للعالم عندئذ؟ ربما السيناريو الأكثر تشاؤما وهو الأكثر طرحا: هل سيعيش العالم نسخة جديدة من الكساد العظيم في2012 ؟ مع الأسف أن هناك احتمالات لا يُستهان بها تذهب في هذا الاتجاه، فما خفي من أزمة الديون الأوروبية لا يزال أعظم، فإذا حدث هذا السيناريو، فكل الخطورة أن تؤثر هذه التقلبات الاقتصادية المزعجة على الاستقرار السياسي الذي تنعم به أوروبا، عندها فقط فعلا ستنفجر أوروبا كما حذر الرئيس الفرنسي.  غني عن القول أن دول الخليج والسعودية حتى الآن هي في مأمن من تأثير أزمة اليورو، فالإيرادات الهائلة التي وفرتها أسعار النفط القياسية، ستساهم في استيعاب الصدمات الخارجية، غير أن استيعاب هذه الصدمات سيكون مؤقتا في كل الأحوال، ربما يستمر عاما أو اثنين أو حتى خمسة، أما إذا أصاب الكساد اقتصاد العالم، فليس أمام أسعار النفط إلا الانصياع لقواعد السوق، وستكون الأرقام القياسية التي سجلتها خلال السنوات السابقة، يتحسر عليها الجميع، فما الذي استعدت له دول الخليج لمثل هذا اليوم الأسود؟  حتى الآن لا يبدو أن هناك دولة خليجية واحدة تستطيع أن تتعامل مع أي أزمة اقتصادية عالمية، إلا عبر الركون فقط للفوائض النفطية، وهذه مهما كانت ومهما بلغت، فإن استخدامها كحل وحيد هو لعب بالنار، وانتهاك لحقوق الأجيال المقبلة، ولا تسأل عن النماذج الاقتصادية التي قدمتها دول الخليج.. لأنه لا توجد نماذج أصلا. على السعودية ودول الخليج المسارعة إلى تبني نموذج اقتصادي جديد يعتمد على نوعية النمو وليس معدلاته، ومراعاة الأبعاد الاجتماعية للطبقات المتوسطة والفقيرة، ولنا في النموذج المصري أكبر مثال، حيث كانت معدلات النمو تسجل أرقاما عالية، وبشهادة صندوق النقد الدولي، إلا أن ذلك كان يذهب هباء منثورا، بعدم انعكاسه على الأوضاع المعيشية للمواطن ذاته، فإذا أضفنا الاعتماد الكلي للاقتصاد الخليجي على العوائد النفطية في تحقيق معدلات النمو تلك، أيقنا أننا غائبون عن إيجاد البدائل التي تغني البلاد عن اللجوء إلى حل وحيد لا يوجد غيره، ألا وهو الاستدانة لتعويض انخفاض أسعار النفط.  لعل عام 2012 سيكون هو المحك الحقيقي لاختبار قدرة دول الاتحاد الأوروبي على مواجهة مصاعب تفكك اتحادها وانهيار عملتها الحلم، سيتحدد هذا العام إذا ما كانت دول اليورو باستطاعتها حماية اقتصادها واتحادها كذلك، فهل تتفاعل دول الخليج مع هذه الأزمة العالمية ببحثها عن نموذج اقتصادي جديد تتكامل فيه دول مجلس التعاون؟ لعل الإجابة عن هذه السؤال كانت خيارا في أوقات سابقة، لكنها أصبحت ضرورة ملحة لجميع الدول الست، حتى ولو كانت مغريات الفورة النفطية تؤجل تكرارا ومرارا مثل هذا التوجه إلى حين.
إنشرها