زحمة ومخالفات وقلة مواقف

كل من يعيش في المدن الكبيرة مثل الرياض يعاني مشاكل عدة ذات علاقة بالمرور ونظامه والتخطيط المدني وجودته والخدمات البلدية وكفاءتها والطرق والمواصلات وكفايتها، ويشترك في حلها المواطنون والمقيمون والعديد من الجهات الحكومية.
ولنبدأ بالمرور ونظامه، حيث لا أعلم لماذا لا يطبق نظام المخالفات بكامله؟.. حيث نرى وبشكل مزعج جدا المخالفات "عينك عينك" وبمرأى من رجال المرور مثل السير على الكتف، التجاوز والتكدس عند المداخل والمخارج، سد أحد المسارات في الطرق متعددة المسارات، الوقوف العشوائي، القيادة الحلزونية أو المتعرجة، هيجان الطرق (القيادة العدوانية والتهديدية)، "تكبيس" الأنوار العليا المتكرر والالتصاق بالسيارة الأمامية، التجاوز من اليمين، عدم لبس حزام الأمان، انبعاث دخان أسود من العوادم وغيرها. طبعا مع البدء بـ"ساهر" استبشرنا خيرا، ولكن "ساهر" يعمل فقط لضبط قطع الإشارات والسرعة لا غير، ونتائجه مبهرة وممتازة وندعو لسرعة تعميمه في كل ركن وزاوية من بلادنا. ولكن يبقى السؤال الملح من ومتى ولماذا لا يتم ضبط هذه المخالفات والمخالفات الأخرى؟
ومن المعلوم لكل من يتابع مشاكل المرور وحوادث السيارات أن الحوادث والإصابات لا تنتج فقط من السرعة وقطع الإشارات، ولكن من جميع أنواع المخالفات. ولحل هذه المشكلة يجب ميكنة جميع نقاط الدخول والخروج في المدن الكبيرة مثل الرياض وجدة مع ضبطها بـ"ساهر" والإشارات المرورية والأبواب الميكانيكية التلقائية ذات التحكم عن بعد، ومن ثم تمكين الدوريات التي عادة ما تنظم حركة السير عند المخارج والمداخل لضبط المخالفات الأخرى. أيضا يجب تسيير دوريات المرور في الشوارع الفرعية وداخل الأحياء السكنية. وإذا كان العذر أن عدد رجال المرور لا يكفي، فالحل هو إيجاد وظائف مدنية تابعة للمرور يؤهل من يلتحق بها للقيام بمهام ضبط المخالفات المرورية السلوكية الثابتة مثل سد المسارات في الطرق متعددة المسارات، والوقوف العشوائي (سيارات متوقفة مخالفة) وغيرها. ثم يتبعها التوسع لاحقا حتى نصل لضبط حركة المرور واستخدام المركبات بشكل ممتاز نفخر به أمام الآخرين، فسلوك الناس خارج بيوتهم هو المرآة التي يراها الآخرون ويحكمون عليهم وعلى بلدهم من خلاله.
وهنا لا بد من ذكر مبدأ (عدم ضبط الصغائر يؤدي إلى ظهور الكبائر من المخالفات والوقاية خير من العلاج). حيث من المعروف في مكافحة الجرائم والمخالفات أنك إذا ضبطت وقضيت على المخالفات الصغيرة قللت المخالفات الكبيرة بالتبعية؛ نظرا للتأثير النفسي والعاطفي على الفرد والمجتمع. حيث إن التركيز على المخالفات الكبيرة فقط يعطي رسالة للفرد والمجتمع والمواطن والمقيم أن صغائر المخالفات القانونية سواء كانت مرورية أو غيرها مقبول وليس له عقوبة. ونتيجة ذلك تكثر المخالفات فيصعب ضبطها.
ومن أمثلة ذالك أن مدينة نيويورك كانت تعاني، لسنوات عديدة، كثرة جرائم القتل والاعتداء والسرقة والجرائم الصغيرة مثل النشل والاعتداء على حقوق الآخرين ومخالفات المرور قليلة الخطورة، إلى أن جاء رئيس بلديتها السابق رودولف جولياني وعمل بهذا المبدأ، حيث طهّر المدينة بحجز ومحاكمة كل من قبض عليهم في جرائم صغيرة والتي كان يتغاضى عنها رجال الشرطة والمرور قبل توليه المنصب. وما زال هذا المبدأ معمولا به إلى الآن، حيث أعاد به، الأمن المروري والأمن العام، للمدينة مما زاد في عدد السائحين القادمين إليها ومن ثم زيادة الدخل لمواطنيها ومن ثم تحسن الاقتصاد المحلي.
لذا ننتظر من إدارات المرور (وأيضا الشرطة) في جميع بلادنا أن تبدأ العام الجديد بمبدأ النار من مستصغر الشرر، وترك الصغائر يجلب الكبائر. وقد قيل: ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم، وسر النجاح على الدوام هو أن تسير إلى الأمام، والوقاية خير من العلاج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي