نأسف للإزعاج.. وتطوير المشاريع والخدمات

الأسف قيمة إنسانية وأخلاقية جميلة ولها تأثيرها في نفوس الآخرين. فعندما يخطئ إنسان في حق إنسان آخر ثم يقدم له اعتذاره وأسفه فإنه في الغالب يصفح عنه ويتجاوز عن خطئه. وعملية ممارسة تقديم الأسف تفوق في أحيان كثيرة الثمن المادي الذي عليه دفعه مقابل الأضرار الجسدية والنفسية التي لحقت بمن يقدم له الأسف. وتقديم الأسف والاعتذار ليس مقصورا على المستوى الفردي بل قد يصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الدول بين بعضها بعضا. والتاريخ يمتلك شواهد تاريخية من قيام حروب وصراعات ذهب ضحيتها الآلاف ودمرت بسببها الممتلكات وكل ذلك لرفض دولة تقديم الأسف والاعتذار لدولة أخرى.
إذا هذا السلوك الإنساني له حضوره وقيمته التي يجب التعامل معها بما تستحقه من تقدير وحسن استخدام. فإذا كان من الشيء الطبيعي أن الإنسان يقبل الأسف عن الخطأ مرة أو مرتين يعد ذلك نبلا وسمو أخلاق إلا إن ذلك يتحول إلى استغفال وقلة ذوق متى ما كانت ممارسة التأسف هي عادة متأصلة عند مرتكب الخطأ والسلوك غير المقبول. وبذا فإنه عند استمرار ممارسة الخطأ وتكراره فإنه من رجاحة العقل أن يتم رفض التأسف والاعتذار. بل إنه يصبح من السماجة وقلة الحياء تقديم التأسف عندما يكون تكرار الخطأ هو الأصل في السلوك والممارسة. والخليفة عمر ـــ رضي الله عنه ـــ يقول ''لست خبا ولا الخب يخدعني''. هذا بكل أسف هو واقعنا مع مشاريع مدننا التي تبدأ ولا ندري متى تنتهي. تبدأ بلوحة نأسف للإزعاج ثم تنهال معاول مقاولي الباطن على طرقنا وشوارعنا حفراً وتكسيراً وتحويلات أحولت معها أعيننا وداخت معها رؤوسنا. لم نعد نستطيع أن نصل إلى وجهتنا في وقتها ولم يعد من لا يعرف خريطة المدينة بكل تفاصيلها وشوارعها الداخلية يدري إلى أين هو ذاهب وإلى أين يقوده الطريق الذي تحفه من جوانبه صبات أسمنتية اخترعها مدمرو الشوارع ورأى فيها بعض أصحاب الأموال باباً للرزق والكسب.
إن لوحات ''نأسف للإزعاج'' هي خدعة بصرية تقدم للمواطن ويرضى بها في أول الأمر اعتقادا منه بكفاءة وحسن نوايا مسؤولي هذه المشاريع والشركات وأن الأمور تحت السيطرة وتسير حسب برامج مقننة وواضحة، ولكنه بعد فترة زمنية يكتشف الحقيقة المرة وهي أنه مطالب بأن يدفع ثمناً عالياً من ماله ووقته وهدوئه النفسي دون سبب مبرر. لقد أصبح الشارع الواحد يتعرض لغزوات متكررة من معدات المقاولين، فما أن ينتهي أحدهم ويأخذ نصيبه حتى ينطلق زميله الآخر وكأنهم في سباق تتابع يسلم كل متسابق إلى آخر عصا السباق. ومع كثرة هذه الحفريات إلا أن واقع الحال والنتيجة الملموسة على أرض الواقع أقل كثيراً وكأننا نعيد اكتشاف وممارسة المقولة الشعبية القديمة ''ابن الجدار هد الجدار، هد الجدار ابن الجدار''، والجدار هو الجدار في نفس موقعه ونفس مكانه، ونفس وظيفته التي وجد من أجلها.
إن معاناتنا مع مشاريعنا ولوحاتها التي تعتذر عن الإزعاج لا تكمن في الحفر والدفن وما يلحق بها من تعطيل، ولكن هي كذلك (أي المشاريع) لا تحترم في أحيان كثيرة حقوق المواطن الكثيرة البسيطة من إيجاد بدائل أو تقليل من الأضرار. ولعل أقرب مثال يخطر على البال هو أن التحويلات البديلة للشوارع تفتقر إلى السفلتة الجيدة والمخارج والمداخل المناسبة التي يمكن توفيرها دون عناء أو تكلفة كبيرة. ولكن استسهال أمر المواطن وثقتهم (أصحاب المشاريع ومنفذوها) بأنه لا توجد آليات واضحة يستطيع المواطن من خلالها إيقافهم عند حدهم. فالأمر أولا وأخيرا بأيدهم وهم أصحاب القرار وما يتفضلون بتقديمه من حلول هو إما جزئية أو لمدارة من هم أكبر منهم. إنها احتياطات إجرائية وذكاء مكتسب في وجه الدعاوى الشرعية والحقوقية لو حصلت لا قدر الله. ولو أردنا أمثلة واقعية وحقيقية لأوردنا الكثير منها ولكن المجال لا يسمح في الوقت الحاضر لذلك.
كلنا يعلم ويقدر ما تبذله القيادة السعودية من جهد كبير في توفير فرص تطور ونمو المجتمع السعودي وتحسين مستوى معيشته وذلك عن طريق توفير الاعتمادات المالية الكبيرة واعتماد الخطط والمشاريع بأرقام فلكية. ولذا ليس مقبولا ولا معقولا أن يشوه ذلك بممارسة تنفيذية ضعيفة أو عدم تحمل المسؤولية ومتابعة الأعمال كما يجب أن يكون الأمر.
إن قيمة أي مشروع هو بتنفيذه في وقته ومكانه المناسبين لأن أحد مكونات عملية التنمية هو أنها مجموعة أنشطة يعتمد أحدها على الآخر، وبالتالي فإن التأخر في تنفيذ مشروع ما لا يؤثر على أهدافه فقط بل يشمل ذلك مشاريع وبرامج أخرى، وبالتالي فإن ما نشاهده من استمرار لتنفيذ بعض المشاريع الحيوية وتجاوزها المدد الزمنية المعتمدة لتنفيذها أمر يجب رفع الراية الحمراء في وجهه بل قد يصل الأمر إلى المطالبة بمحاسبة ومعاقبة من يقوم به في القطاعين العام والخاص. لقد أصبح مألوفا أن تجد المشروع الذي ينفذ في الدول الأخرى بسنة أو سنتين يستغرق تنفيذه عندنا هنا في المملكة سنوات والقارئ الكريم مدعو للالتفات يمينا وشمالا ليختار ما يشاء من مشاريع حوله وليتأكد من مدى مصداقية هذا المقال. وهنا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب ذلك ونبحث عن مبررات هذا الواقع المحبط للمواطن والمتعارض مع رغبات وتوجهات القيادة.

ماذا لو؟
ماذا لو قام كل عضو مجلس بلدي بفتح مقر له في نطاق دائرته وحدد ساعات معينة لتلقي شكاوى وملاحظات سكان الأحياء التي يمثلها، فالمواطن في حاجة ماسة إلى من يتعامل مع قضاياه بشكل يومي.

المزيد من مقالات الرأي