علماء فلك أم منجمون ؟

علماء فلك أم منجمون ؟

الفَلَك علمٌ من العلوم التي ظهرت مع وجود الإنسان، وارتبط به في جميع مراحل مسيرته التاريخية وتطورها، كما أسهم في تطور العديد من العلوم والمعارف الأخرى. وقد عرفت معظم الحضارات البشرية علم الفلك، وأسهمت في تطوره بصورٍ مختلفةٍ فيما بينها. كما عرف العرب علم الفلك منذ القدم، وقد اشتهرت بعض الحضارات العربية قبل الإسلام ببعض العلوم الفلكية: كأخذ الحميريين في جنوب الجزيرة العربية بالتقويم الشمسي، كما عمل بعض العرب بمحاولة الجمع بين التقويم القمري والتقويم الشمسي، وهو ما عُرف باسم (النسيء)، أما بقية أجزاء الجزيرة العربية فلم يُعرف عنها اشتهارها بعلم الفلك. ومن الطبيعي أن تكتنف تلك المسيرة الطويلة لهذا العلم بعض ما ليس منه مما تضيفه الشعوب المختلفة من ثقافاتها المنحرفة، أو عقائدها الباطلة، والتي كان للمسلمين فيما بعد قصب السبق في تصفيته منها. ## أهمية علم الفلك بالنسبة للمسلم : لا تقتصر أهمية علم الفلك على ما يتعلق بأمور الكواكب والنجوم فحسب، بل تمتد لكل ما يؤثر في حياة البشر على الأرض، وبخاصة للمسلم : 1 - فهو مرتبطٌ بالتفكُّر والتَّدبُّر في خلق هذا العالم، الذي أمرَ الله _تعالى_ به؛ ليقوى إيمانُ المسلمِ بربِّه، ومن ثم يُخلص له العبادة وحده. 2 - كما أنَّ الظواهر الفلكية الطبيعية مرتبطةٌ بالعديدِ من العبادات : فأداء الصلوات الخمس مرتبطٌ بحركة الشمس، وكذلك أداء صلاتي الخسوف والكسوف مرتبطان بحركة الشمس والقمر، ووجوب صيام شهر رمضان مرتبطٌ بحركة القمر، وأداءُ الزَّكاة يجب أداؤها عندَ حلولِ الحولِ، وهو: السنةُ القمرية، والحج مرتبطٌ بثبوت دخول أشهر الحج - شوال، وذي القِعدة، وتسع من ذي الحِجَّة_ عن طريق حركة القمر. كما أنَّ صحةَ الصلاة تتوقَّفُ على معرفة جهةِ القِبلة، ومعرفة الجهات من فروع علم الفلك. 3 - كما أنَّ عددًا كبيرًا من العلوم الأخرى ترتبط بعلم الفلك: كعلوم الجهات، والمساحة، والملاحة البحرية، والملاحة الجوية، والأوقات، وغير ذلك من العلوم التي لا غِنى للناس عنها بحالٍ من الأحوال. 4 - ثم إنَّ كثيرًا من المُخترعات والمُكتشفات الحديثة تقومُ على أساس الإلمامِ بعلم الفلك وعلم الأرض، والأخذ بتلك العلوم يدخل في الأخذِ بأسبابِ القوةِ التي أمر الشرع بها. وبناءً على ذلك : فتعلُّم علم الفلكِ من فروض الكفايات التي يجب أن تأخذ بها الأمة، وتأثم إن أهمَلَت أو قَصَّرت في ذلك. ## التنجيم : هو لا يقوم على حقائقَ علمية، أو على أسبابٍ حقيقية، بل هو خليطٌ من السِّحر والشَّعوذة، وادَّعاء علم الغيب، والاستعانةِ بالشياطين، والكذب، والاعتقاد بأنَّ الأحداث الدنيوية رهنٌ بحركة الأجرام السماوية؛ لذا فهو مُحرمٌ ومن كبائر الذنوب، وقد يصل إلى الكفر بالله تعالى. ## العلاقة بين علم الفلك والتنجيم : لا تشابه بين علم الفلك والتَّنجيم بحالٍ من الأحوال، بل إنَّ تبرئةَ علم الفلك من التنجيم ينطبق عليها قول الشاعر: ألَمْ تَرَ أنَّ السَّيْفَ يَنقصُ قدْرُهُ إذا قيل إنَّ السيفَ أمضى من العصا ولا تعدو العلاقةُ بينهما أن تزيد عن استغلال المُنجِمين لحقائق علم الفلك ومصطلحاته في خزعبلاتهم وشعوذاتهم. ويشبه هذا استغلال مدعي علم الغيب من السَّحرة والمنجمين وغيرهم لبعض العلوم الصحيحة كمختصرات اللغة العربية المعروفة بحروف (أبي جاد) والتي تُعرف أيضَا باسم (حساب الجُمَّل)، وهي: (أبجد - هوَّز ....إلخ)، واستعمالهم لبعض الآيات القرآنية في طلاسمهم وعزائمهم. ## هل رُمي الفلكيون بالتنجيم ؟ المتتبعُ لأقوال العديد من أهل العلم قديمًا وحديثًا يجد لهم بعض الكلام في الرَّد على علماء الفلك بالحديث عن (التَّنجيم والمُنجمين)، أو الحديث عن (خرافة أقوال أهل الفلك) ونحوها، أو ازدراء علم الفلك وأهله، والسخريةِ من أقوالهم وعلمهم، إلى رميهم بالابتداع في الدين، ومخالفة النصوص الشرعية، وأنَّ أقوالهم دافعها روح انهزامية خشية حرجهم من الغرب، بل ومطالبة البعض بإغلاق تخصصات الفلك في الجامعات، وغير ذلك كثير. ويرافق ذلك كله استشهادٌ بأقوال أهل العلم في بيان (حقيقة أهل الفلك) و(فضح باطنهم) و(اعتقاداتهم المنحرفة). ## كيف يمكن الجمع بين ما سبق ذكره من أهمية علم الفلك وبين أقوال أهل العلم فيهم؟ بالعودةِ إلى تاريخ العلوم التجريبية في العالم الإسلامي يمكن ملاحظة الآتي : لم يعرف قلب الجزيرة العربية العلوم التجريبية كما ظهرت عند العديد من شعوب العالم؛ لذا فقد خلا تاريخ المسلمين الأوائل الذين جاء معظمهم من قلب الجزيرة العربية من هذه العلوم، إلا ما كان موجودًا في بعض المناطق على أطراف الجزيرة العربية من بعض هذه المعارف، وبخاصة لانشغالهم الكبير بتوطيد دعائم الدولة الإسلامية الوليدة، والحرص على إيصال رسالتها لشعوب العالم. ثم بدأ المسلمون بالاحتكاك بالحضارات الأخرى، وصاروا يستفيدون من علومهم، مدفوعين بحثِّ الإسلام لهم على تملُّك ناصية العلوم والنهل منها، مع إخضاع كل ما يَفِدُ إليهم لنصوص الكتاب والسنة، ورفض كل ما يتعارض معها. واستمر الأمر يسير بهدوء وبطء إلى أن حصلت الفتنة بحركة الترجمة غير المنضبطة التي عمَّت العالم الإسلامي في عهد الدولة العباسية، حيث تُرجمت العديد من كتب العلوم التجريبيةِ كالطب والفلك ونحوها، إلى جانب العديد من العلوم التي أفسدت على بعض المسلمين أمور دينهم، كالفلسفة اليونانية، وما رافقها من اعتقادات تلك الأمم من وثنيات وآراء باطلة. فاستغل فريقٌ من الفرق الباطنية المنحرفة هذه العلوم لمحاولة تسخيرها لعقائدهم وأباطيلهم، مما زاد من انتشار الزندقةُ والطعن في الدين، فقام أهل العلم بالتصدي لهذه الموجةِ من الانحراف، والردِّ عليها. كما قَبِل بعض الجهلة من المسلمين بجميع ما جاء من تلك الحضارات الأخرى عملاً بمقولة: "علينا أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب". بالإضافة إلى حداثةِ العديد من العلوم التجريبيةِ على العالم الإسلامي، فكان العديدُ من جوانبها ما زال في طورِ النمو، لم تكتمل جوانبها، مما يعني وجودَ احتمالٍ للخطأ فيها، أو كونها مما تختلف فيه الاجتهادات والأنظار. فكانت هذه العلوم بشكلٍ عام والفلكِ بشكلٍ خاص على أقسامٍ ثلاثة : 1 - علمٌ فلكي صحيحٌ مبنيٌ على أصولٍ علمية مما ورثه المسلمون من الأمم السابقة، ومما أضافوه عليه من الأبحاث والاكتشافات. 2 - بعض الأبحاث والأقوال الفلكية التي لم تثبت بالطرق العلمية الصحيحة. 3 - خرافاتٌ وأساطير تندرج تحت الشَّعوذةِ أو التَّنجيمِ أو العقائدِ الفاسدةِ لبعض الفرق مما له ارتباطٌ بالكواكب أو علم الفلك بشكلٍ عام. فكان أن اختلطت هذه الأقسام ببعضها، لا سيما أنَّ علم الفلك حديثٌ في العالم الإسلامي لم يترسَّخ في الثقافةِ العامة، فظهر من العلماء التجريبيين من يعتنق العقائد الفاسدة، ويُسخِّرها لعقائده وأفكاره، حتى إنَّ بعض أشهر الأطباء والفلكيين كانوا من كبار الباطنيين وأئمتهم، الذين يمارسون الدعوة إلى أديانهم الباطلة سرًّا، فاستعملوا هذه العلوم في خدمة عقائدهم، وحاولوا إضفاء هذه الانحرافات عليها. فلمَّا أجاب أهل العلم عن شُبهات هؤلاء المنحرفين: كان من الضروري بيان زيف ما أضافوه من عقائدهم إلى هذه العلوم الدنيوية، والقارئ لكلام أهل العلم قديمًا يجد هذا الأمرَ بشكلٍ واضح. ومن أشهر من أجاب عن شبهات الباطنيين والزنادقة، وفصَّل الحديث عن شبهاتهم، وبيَّن زيف ما يدعونه: ابن تيمية رحمه الله، فقد أورد في مؤلفاته الكثير من الردود عن شُبهات من يدعي استعمال علم الفلك في العقائد الفاسدة، سواءً كانت معلومات فلكية صحيحة استخدموها استخدامًا غير صحيح، أو معلوماتٍ باطلة لا تثبت بالعلم والعقل، لذا فإنَّ مؤلفاته مليئةٌ بالرَّد على هؤلاء (الفلكيين) أو (المُنجمين)، وإبطال حساباتهم واستدلالاتهم واستنتاجاتهم. إلى جانب أنَّه من أكثر من تكلَّم في علم الفلك الصحيح، واستشهدَ بقواعده وضوابطه، وتحليل كلامه وشرحه يحتاج إلى بحوث مطولة؛ لكثرته وطوله، لكن يمكن الإشارة إلى مقتطفاتٍ منها في هذا المقام : فمن أقواله في علم الفلك الصحيح : (الشَّمْسَ لا تُكْسَفُ في سُنَّةِ الله الَّتِي جُعِلَ لهَا إلَّا عِنْدَ الاسْتِسْرَارِ، وكَذَلِكَ القَمَرُ لا يُخْسَفُ إلَّا في لَيَالي الإبْدَارِ، فمَعْرِفَةُ الكُسُوْفِ والخُسُوْفِ لمَنْ صَحَّ حِسَابُه، مِثْلُ مَعْرِفَةُ كُلِّ أحَدٍ: أنَّ لَيْلَةَ الحَادِي والثَّلاثِيْنَ مِنَ الشَّهْرِ لا بُدَّ أنْ يَطْلُعَ الهِلالُ، وإنَّما يَقَعُ الشَّكُّ لَيْلَةَ الثَّلاثِيْنَ) الفتاوى (25/185). وقوله : (الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ لَهُمَا أَوْقَاتٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا لِطُلُوعِ الْهِلَالِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ، وَذَلِكَ مَا أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَسَائِرِ مَا يَتْبَعُ جَرَيَانَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33]، وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحَقِّ) [يونس: 5]) الفتاوى (24/254). فقد أثنى على صحة الحساب الفلكي في حالات، وحكم عليها بالقطع، واستشهد عليها بأدلةٍ من القرآن الكريم. ومن أقواله فيما يُنسب إلى علم الفلك، وليس بصحيح : (كَانَ مُقْتَضَى تَقْدِيمِ هَذِهِ "الْمُقَدِّمَةِ" أَنِّي رَأَيْت النَّاسَ فِي شَهْرِ صَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا: مِنْهُمْ مَنْ يُصْغِي إلَى مَا يَقُولُهُ بَعْضُ جُهَّالِ أَهْلِ الْحِسَابِ: مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ يُرَى أَوْ لَا يُرَى. وَيَبْنِي عَلَى ذَلِكَ إمَّا فِي بَاطِنِهِ وَإِمَّا فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ. حَتَّى بَلَغَنِي أَنَّ مِنْ الْقُضَاةِ مَنْ كَانَ يَرُدُّ شَهَادَةَ الْعَدَدِ مِنْ الْعُدُولِ لِقَوْلِ الْحَاسِبِ الْجَاهِلِ الْكَاذِبِ: إنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى. فَيَكُونُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ. وَرُبَّمَا أَجَازَ شَهَادَةَ غَيْرِ الْمَرْضِيِّ لِقَوْلِهِ، فَيَكُونُ هَذَا الْحَاكِمُ مِنْ السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ) الفتاوى (25/131). فقد استنكر ردَّ شهادة الشهود بناءً على الحسابات الباطلة غير الثابتة، وكلامه هنا عن (حساب الرؤية) وليس (الحساب الفلكي) الذي أثنى عليه كما سبق. ومن أقواله في الرَّد على الزنادقة والمبتدعة الذين اعتمدوا على علم الفلك الصحيح في شرح زندقتهم : (...الرابع: إنَّ النفوس عندهم تسعةٌ بعددِ الأفلاك، وحركاتُ الأفلاك عندهم هي تسبب الحوادث، ومعلومٌ أنَّ كل نفسٍ تعلم حركة فلكها، فنفسُ فلكِ القمرِ لا تعلمُ ما في نفسِ الفلكِ الأطلس وفلك الثوابت وغيره.....) الرد على المنطقيين (1/477). وقوله: (... وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ "الْفَلَكُ الْأَطْلَسُ التَّاسِعُ" الَّذِي يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الإلهيين وَالْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ حَرَكَتَهُ هِيَ السَّبَبُ فِي حُدُوثِ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا وَإِلَيْهَا انْتَهَى عِلْمُهُمْ بِأَسْبَابِ الْحَوَادِثِ.....) الفتاوى (8/169). فيظهر من كلامه السابق أنَّه يتحدَّث عن ثلاثة أقسامٍ مختلفة يمكن أن يُطلق على كلٍ منها (علم الفلك) بشكلٍ عام. ## خطورة عدم التفريق بين هذه الأقسام الثلاثة : وعندما يأتي من ليس لديه معرفةٌ كافيةٌ بعلم الفلك، ولا يستطيع التفريق بين (المصطلحات المختلفة) كما سبق الحديث عنها: فلن يستطيع التفريق بين علم الفلك الصحيح المبني على قواعد علمية يقينية، ومعلوماتٍ فلكيةٍ غير صحيحةٍ أو غير دقيقة، والعقائد والأفكار الباطلة المبنية على معلومات فلكية، فيحصل عنده خلط ولَبسٌ في فهم كلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم، ويحمل كلامهم في قسمٍ من الأقسام على الآخر، فينتج عن ذلك أمورٌ في غاية الخطورة كما نشاهدها في أرض الواقع : 1 - النظر لعلم الفلك والفلكيين نظرة ريبة وازدراء، وعدم تصديق أقوالهم وحساباتهم، بل والشك في نياتهم وأهدافهم، والطعن في دينهم وعقائدهم. 2 - الظن بأنَّ أي خلافٍ منهم أو اعتراضٍ إنَّما هو نابعٌ من معارضتهم للكتاب والسنة، ورغبتهم في الطعن فيهما، أو معارضتهما، أو انطلاقُ من ابتداعٍ في الدين أو انحرافٍ عنه. 3 - استدعاء موقف أهل العلم من بعض المنحرفين عن الدين في كيفية الرَّد وأسلوبه على علماء الفلك، مما يُفسِّر قسوة الردود على أقوال علماء الفلك، أو تحميلها ما لا تحتمل، أو إلزامها بلوازم لا يقولون بها. وتُلحظ هذه الأمور في كتابات وأبحاث كثيرٍ ممن تناول موضوعات (الفلك والأهلَّة) وناقش الفلكيين بها. فمن أراد فهم كلام السلف - وابن تيمية على وجه الخصوص - في هذه الموضوعات فلا بدَّ أن يتنبَّه لهذا الأمر جيدًا. وقد كان لأهل العلم مواقف مشابهة من بعض العلوم التجريبية التي اختلطت بالخرافات والعقائد الفاسدة في أول أمرها، كالكيمياء مثلاً، ثم تغيَّرت هذه المواقف بعد تخلص هذه العلوم من تلك الخرافات والعقائد. لكن لما كانت تلك العلوم تجريبيةً بحتةً تقوم على أسس وقواعد علمية دقيقة لا ترتبط بالدين والعبادات بطريقٍ مباشر: انتهى الخلاف فيها وانقرض، أمَّا علم الفلك: فإنَّه يرتبطُ بعلم الأهلةَّ، التي ترتبط بالعديد من العبادات والشعائر؛ لذا فإنَّه لم يتخلَّص من هذه النظرة الجائرة له ولأهله. وأخيرًا : فإنَّ علم الفلك من أجلِّ العلوم وأرفعها مكانة، وأشدِّها علاقة بحياة المسلم، مما يوجب على المسلمين تعلُّمه ومعرفة فنونه، والريادة فيه. كما ينبغي _عند مناقشة علماء الفلك_ صون اللسان والقلم عن الوقوع فيهم والانتقاص منهم، مع ما يُعرف عنهم من بذل جهدهم واجتهادهم في تطويع ما يتوصلون إليه لخدمة عبادات المسلمين وشعائرهم من أوقات الصلاة والصيام، واستحضار قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب8]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ في مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ [أي عصارة أهل النار]حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) رواه أحمد. والله المستعان
إنشرها

أضف تعليق