العمالة الوافدة.. مراقبة للحسابات وتقنين للحوالات

ضمان الحرية الاقتصادية من أهم المبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد في المملكة، ولا فرق في ذلك بين السعوديين وغيرهم، وهذا شامل لحركة الأموال والتحويلات وسائر التصرفات المالية ما لم تكن هناك مخالفة للقوانين أو التعليمات التي تنطلق أساساً من منع الجرائم المالية أو الاستفادة منها، ولذا فإن سوق العمل في المملكة يعد أفضل أسواق العمل في المنطقة، ومن أفضل الأسواق في العالم لما يوفره من مزايا وضمانات ونطاق حرية واسعة تؤدي سنوياً إلى حوالات للخارج بما يزيد على 26 مليار دولار، أي ما يعادل 100 مليار ريال في العام الواحد، بل إن مصدراً مسؤولاً في أحد المصارف السعودية أفاد بأن حجم الأموال المهاجرة إلى الخارج من قِبل العمالة الأجنبية عن طريق القنوات البنكية بلغ 110 مليارات ريال عام 2010م.
ومن المؤكد أنه لا يمكن المساس بالحقوق المكتسبة بالطرق المشروعة مثل الرواتب وغيرها ومنع التصرُّف فيها بالتحويل للخارج، فهي نتاج عمل مشروع تحت مظلة القانون رغم أن إجمالي قيمة هذه الحوالات كبير جداً ولكنه ليس أكبر من القيمة التي تضيفها العمالة الأجنبية إلى الاقتصاد السعودي، والتي تسهم في الناتج الوطني وتحقق بجهدها أهدافاً تنموية في شتى المجالات، فالمقيمون في المملكة وحسبما أعلنت عنه مصلحة الإحصاءات العامة ضمن التعداد العام للسكان والمساكن، يبلغ عددهم 8.4 مليون نسمة خلال عام 2010م، وهم يمثلون ما نسبته 31.03 في المائة من إجمالي عدد سكان المملكة، من بينهم 5.9 مليون ذكر، في حين يصل عدد الإناث إلى 2.5 مليون أنثى، ومن إجمالي هذا العدد يعمل منهم ستة ملايين في القطاع الخاص وحده.
إن ما أعلنت عنه وزارة العمل من أنها تسعى إلى نظام يمكنها من مراقبة الحسابات المصرفية للعمالة الوافدة، وتقنين تحويلاتها المالية التي تقارب 26 مليار دولار سنويا، يأتي في إطار تنظيم سوق العمل والرقابة عليه بما يضمن خفض المخالفات التي تستفيد منها بعض العمالة الوافدة وبما يخالف أنظمة الإقامة والعمل. الجميع يعرف أن سوق العمل السعودي يعج بأيدٍ عاملة ليس مصرحاً لها بالعمل، فمنها عمالة قدمت للزيارة أو الحج أو العمرة، أو وصلت إلى الأراضي السعودية بطرق التهريب، كما أن استخدام الأطفال للتسوّل أمر مشاهد، وهي عمالة غير قانونية، ومن ثم فإن ما تحصل عليه من أموال يجب أن يكون محل رقابة وتقنين لمنع الاستفادة المالية غير المشروعة.
لقد تضمن تصريح وزارة العمل بأنه سيتم الإلزام بفتح حساب مصرفي لكل شخص يعمل في المملكة أو أن يكون لديه في الأصل حساب خاص تقيد فيه إيراداته الشهرية حتى يمكن تطبيق الرقابة المالية بفرض حد للتحويل لا يتجاوز المخصص الشهري الذي يتقاضاه، كما تضمن التصريح أنه سيتم التنسيق مع مؤسسة النقد العربي السعودي لوضع ضوابط إجرائية ملزمة للمصارف وغيرها من المؤسسات التي تقدم خدمة التحويلات المالية للخارج، ولكن ليس هناك وقت محدد لبدء تطبيق هذا البرنامج.
إن سوق العمل السعودي لا يمكن أن يستغني عن الأيدي العاملة النظامية التي تقدم خدماتها بما يتوافق مع أنظمة الإقامة والعمل، ولكن هناك تنظيماً جديداً قادماً يعتمد على غلق منافذ الاستفادة المالية غير المشروعة وهو أداة سيكون لها تأثير كبير في مواجهة التستر التجاري وهروب العمالة وتشغيل الأطفال والتسوّل وتشغيل غير المرخص لهم بالعمل، وكذلك الاستثمار غير المرخص وممارسة التجارة وغير ذلك من الصور المتعددة والتي لا تنتهي في سوق العمل السعودي، حيث يجب تقليل الاعتماد على تلك العمالة غير النظامية والاحتفاظ بتلك الأموال داخل الاقتصاد السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي