انتعاش متوقع للسوق العقارية الخليجية بفعل الأزمة المالية في أوروبا

تراجع توقع صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي بمعدل 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في حين كان يتوقع في حزيران (يونيو) الماضي نمو الاقتصاد بمعدل 4.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. كما خفض توقعاته للنمو العام المقبل من 4.5 في المائة إلى 4 في المائة فقط، وكان الاقتصاد العالمي قد سجل خلال العام الماضي نموا بمعدل 5.1 في المائة وذلك بعد الانكماش غير المسبوق بمعدل 0.7 في المائة خلال 2009 عام، ودعا صندوق النقد الدولي إلى تبني سياسات لتحفيز الاقتصاد العالمي على المدى القصير وسياسات لخفض الدين الحكومي على المدى المتوسط والطويل.
فيما استمر الاقتصاد الأمريكي والأوروبي يعاني انخفاضا في النمو وتضخما في العجز في الموازنات المالية، وفي هذا الإطار سعت القيادات السياسية في الولايات المتحدة لرفع مستوى سقف الدين لمجابهة انخفاض الاستقرار المالي والاقتصادي الذي عكسته مؤشرات مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني بتخفيض تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تبع ذلك أخيراً تخفيض تصنيف إيطاليا درجة واحدة بسبب إمكانات النمو الضعيفة، رغم أن إيطاليا احتفظت منذ بدء أزمة الديون بتصنيفها الائتماني المرتفع خلافاً لعدد من دول منطقة البحر المتوسط الأخرى. ولمجابهة الضغوط المستمرة على اليورو أعلن البنك الوطني السويسري وضع حد أدنى لسعر الصرف مقابل العملة الأوروبية عند 1.20 فرنك لليورو وذلك لتفادي الارتفاع المتواصل في العملة السويسرية الذي ينعكس دوما بصورة سلبية على الاقتصاد الوطني السويسري، وخلال عامين يتوقع أن تستمر الاقتصاديات الأمريكية والأوروبية في عدم الاستقرار من حيث ضعف خط الأساس وارتفاع المخاطر الكامنة.
وفي اتجاه معاكس، فإن الاقتصادات سريعة النمو وبخاصة الصين تحتاج إلى ''إعادة التوازن'' في سياساتها الاقتصادية والاعتماد على الاستهلاك المحلي وليس التصدير من أجل مساعدة الاقتصاديات الأمريكية والأوروبية في تحقيق النمو الاقتصادي والعودة إلى مضمار الاستقرار والنمو، وفي هذا الإطار فقد توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الصيني بأكثر من 9 في المائة سنويا خلال العامين الحالي والمقبل، وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته نمو الاقتصاديات المتقدمة خلال العام الحالي بمعدل 1.6 في المائة وبنسبة 1.9 في المائة في العام المقبل. بالمقياس إلى توقعاته السابقة في حزيران (يونيو) الماضي تبلغ 2.2 في المائة للعام الحالي و2.6 في المائة العام المقبل، أما الاقتصادات الصاعدة والنامية فمن المتوقع نموها بأكثر من 6 في المائة خلال العامين الحالي والمقبل.
ونتيجة لعدم استقرار الاقتصاديات المتقدمة واحتمالات استمرار فترات التراجع والركود فيها فقد فاقم ذلك من قلق المستثمرين بشأن التوقعات الاقتصادية المستقبلية للاستثمارات التقليدية في أمريكا وأوروبا، والتي انعكست على أداء الأصول المالية التي تعتبر ملاذات آمنة، كتذبذب أسعار الأسهم والسندات، وتذبذب سعر الذهب بشدة، وقرار البنك الوطني السويسري وضع حد أدنى لسعر الصرف مقابل العملة الأوربية عند 1.20 فرنك لليورو، وهذا أدى بدوره إلى انتعاش قطاع العقارات في الدول النامية والناشئة ومنها الدول الخليجية، وفي هذا الإطار أشار تقرير شركة المزايا القابضة أن الأحداث التي شهدتها أجزاء من الدول العربية في شمال إفريقيا أخيراً دفع الكثير من المستثمرين إلى ضخ أموالهم في الأسواق الخليجية في العقارات السكنية والتجارية.
وتشير الدلائل إلى انتعاش سوق العقارات في منطقة الخليج نتيجة التأثر بتراجع الأوضاع المالية والاقتصادية في أوروبا وخسارة الأصول المالية في الأسواق العالمية، وتثبيت سعر الفرنك السويسري، وإضافة إلى ذلك يتوقع أن يحقق الاقتصاد الخليجي نموا هذا العام نسبة لتحسن أسعار وعائدات النفط لتعويض الانخفاض الذي أصاب الدول المضطربة بالربيع العربي، وتوقعت شركة الأهلي كابيتال أن تسجل السعودية نمواً قوياً في الناتج المحلي مدعومة بقوة من العوامل الأساسية من بينها انخفاض مستوى الديون والتوقعات بتحقيق فائض في الموازنة حيث حققت المملكة نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8 في المائة في عام 2010 ارتفاعاً من 0.6 في المائة في العام 2009م، ومن المتوقع أن يبلغ النمو نحو 5.8 في المائة في العام الحالي 2011م.
وحول تطوير البيئة الاقتصادية الخليجية أوضح تقرير معهد (فريزر) الكندي لعام 2011، وأشار إلى أن البحرين احتفظت بالمركز الأول بين الدول العربية للعام الثامن على التوالي بحلولها في المرتبة رقم 11 دوليًا. إضافة إلى ذلك، حلت كل من الإمارات وعمان والكويت في المراكز 14 و28 و47 على التوالي، في حين أشار تقرير التنافسية الاقتصادية ومصدره منتدى الاقتصاد العالمي إلى السعودية الأفضل بين دول اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث حلت في المرتبة رقم 17 دوليا، وهو ترتيب السابق نفسه لقطر. يستند التقدم السعودي إلى أسس صحيحة من قبيل استقرار الاقتصاد الكلي بالنظر لبقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا لفترة زمنية، الأمر الذي يكتسب أهمية خاصة كون السعودية أكبر مصدر للنفط الخام، إضافة إلى ذلك، استقطبت السعودية استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 28.1 مليار دولار في عام 2010.
وفي ظل هذه التغيرات الاقتصادية والعالمية والإقليمية يتوقع أن يمر القطاع العقاري السعودي بتطورات هيكلية خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وذلك مع التوسع لتطوير الأنظمة العقارية وبعد القرارات الحكومية بضخ 250 مليار ريال من الدولة عبر هيئة الإسكان، ورقع قيمة القرض من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال والمشاريع التي أعلن عنها مؤخراً خاصة مشروع (إعمار مكة) استبعد عقاريون تسرب السيولة والاستثمار من القطاع العقاري إلى القطاعات الأخرى وذلك بالنظر إلى التوجهات والتوقعات التي يبديها بعض المهتمين بالشأن العقاري، ومع ذلك فإن ارتفاع أسعار العقارات قد يسبب حالة الركود، برغم توقعات بالطلب المتزايد خاصة على المدن الرئيسية ففي الرياض وحدها ينمو سكان العاصمة بمعدل 8 في المائة سنوياً وتليها بقية المدن مكة المكرمة والدمام وجدة والمدينة المنورة التي تشهد كثافة سكانية مع وجود مدن أخرى تتمتع بمزايا نسبية من حيث الأسعار ومعدلات النمو كالأحساء التي تشهد انتعاش حركة السوق فيها حيث تجاوزت الصفقات العقارية فيها مليار ريال خلال ثمانية أشهر خاصة بعدما أعلنت عنه الهيئة العامة للآثار والسياحة بتطوير شاطئ العقير. كما حقق مزاد مخطط ''الهدا'' بالأحساء الذي تملكه شركة (إعمار الخليجية) أرباحا هائلة في نسبة المبيعات، حيث تم بيع جميع القطع والتي شكلت مساحة قدرها 775 ألف متر مربع في فترة وجيزة لم تتجاوز خمس ساعات، وتشير التوقعات إلى أن وجود ستة مزادات خلال الشهرين المقبلين ستنعش بشكل إيجابي حركة السوق العقارية في المنطقة الشرقية، وأعلنت مجموعة عادل المد الله العقارية في المنطقة الشرقية أن مزاد مخطط حي الشاطئ في الدمام حقق مبيعات إجمالية بلغت 260 مليون ريال، وبعوائد قدرت بـ 14 في المائة.
وفي المنطقة الغربية أبرمت شركتا الخبير المالية وشركة تنمية الرياض للاستثمار العقاري اتفاقاً بمبلغ 820 مليون ريال لإنشاء صندوق عقاري لشراء وتطوير أرض في مدينة جدة في حدود المطار القديم على طريق الملك عبد الله على أن تتم أعمال التطوير على توفير خدمات بنية تحتية متكاملة وفق أعلى المواصفات وثم تقسيم المخطط إلى قطع تجارية وسكنية.
كما أشار تقرير نصف سنوي أعدته شركة سنشري 21 السعودية عن ارتفاع إجمالي عـدد الصفقات العقارية للقطاع السكني في العاصمة السعودية الرياض خلال النصف الأول من 2011، حيث بلغ عدد الصفقات 42,730 صفقة بنسبة ارتفاع بلغت 23 في المائة عن النصف الأخير من 2010، حيث تم تسجيل 34,711 صفقة.
وسجلت مؤشرات التداولات العقارية نسباً متفاوتة بين مدن المملكة من حيث إجمالي القيمة خلال شهر شوال، ففي المدينة المنورة شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعاً بمقدار 377.7 في المائة خلال شهر شوال من العام الحالي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وفي الرياض شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية انخفاضاً بمقدار 4.2- في المائة خلال شهر شوال من العام الحالي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، أما في مدينة الدمام شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعاً بمقدار 66.3 في المائة خلال شهر شوال من العام الحالي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

المزيد من مقالات الرأي