إليك يا وطني .. ولا نامت أعين الجبناء

وطني العزيز..
أكتب إليك اليوم حروفي لعلي أوفي لك بجزء من حقك علي، .. أكتب لك وعنك .. فأنت مني وأنا منك، أسمع حداءك ونداءك، وأحيا طموحك وتطلعاتك، فقد أسكنتك سويداء قلبي، وأجريتك في شرايين دمي، وأصبحت مسكونا بحبك، ومهموما بهمك،.. لقد عشقتك - يا وطني - حتى الثمالة..
جريت على طبعي بتيار فكرتي ...
ولم أنجرف يوما كغيري بتيار
أكتب لك اليوم حروفي وكلماتي ممزوجة بمشاعر الحب، ولواعج الشوق فاقبلها - يا وطني - على تواضعها، فهي جهد من مقل، وجود مما نملك..

قدر الله .. ومهبط الوحي
قدر الله لبلاد الحرمين الشريفين أن تعيش آمنة مستقرة يجبى إليها ثمرات كل شيء، ويرزق الله أهلها رزقا حسناً فيحمدونه سبحانه، ويعبدونه تعالى، ويدعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.. يحاورون معرضيه بغية هدايتهم وإسعادهم، ويجادلون مناوئيه بالتي هي أحسن، إقامة للحجة، وإبانة للحق ليهتدي من اهتدى عن بينة، ويضل من ضل عن بينة..
تلك هي رسالة الإسلام، وتلك هي بلادها ومهبطها، وأولئك هم أهلها وأبناؤها.. تلك هي مهبط الوحي والرسالة، ومهد السنة والجماعة.. قدرها أن تحيا عزيزة شامخة شموخ الجبال الرواسي لا تنثني أمام عواصف المحن ولا تلين أمام النائبات والفتن، ترفرف فيها راية لا إله إلا الله عالية خفاقة حتى يعود إليها الدين كما بدأ، يأرز إلى ما بين المسجدين، مكة والمدينة، فمنها بدأ وإليها يعود كما أخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام..
قدر الله لهذه البلاد الطاهرة أن تبقى عاصمة الإسلام ومنطلقه، وقبلة دينه ودعوته، منيعة قوية بدينها وعقيدتها تتحطم عليها كل مكائد الأعداء، وتنهار أمامها كل محاولات الباطل، ''ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين''، تنتصر بالحق، وترتقي به وتحميه، وتموت على ترابه من أجله، وأنَّ للباطل أن يقف في وجه الحق، ثم أنَّ له أن يثبت أمامه، ''قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا''..
فهل يعي المتربصون بأمن هذه البلاد الطاهرة، والمرجفون ممن يلقون قيادهم وعقولهم لمراجع الزيغ والفساد والضلال أن هذه البلاد محروسة بالحق، ومنتصرة بالله، وأن من يغالب الله يغلب.. هل يعي هؤلاء أجمعون سنة الله ونواميسه في الأولين والآخرين؟

على طريق الدعوة
على أمر قد قدر، انبرى صقر الجزيرة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فأخذ الراية بقوة وحكمة، وانطلق على طريق الدعوة يفتح الحواضر والبوادي، ويؤسس للوحدة والتوحيد، فدانت له البلدان، وأقبلت معه القبائل فمضى ينشر الخير والنور، ويبسط القسط والعدل، ويؤسس لمنهج الشورى وقواعد التنمية، فالتأمت اللحمة بعد شتات، وائتلف الناس بعد تنافر، وأرسى الأمن فسهل الحج والزيارة، والتقى الآباء وأبناء والكبير والصغير على مختلف مشاربهم وأفكارهم تحت مظلة الوطن الكبير، وعلى درب المواطنة الصالحة، والعمل الدؤوب لنهضة الوطن الغالي، فانطلقت مسيرة البناء والتنمية في كل أرجاء ربوعه، وذابت على ثراه كل العنصريات والجاهليات العقيمة، فكان الوطن للجميع.. وأصبحت أرضه فراشاً وسماؤه لحافًا.

الوطن للجميع
في ميزان الوطن الكبير فإن التفاضل والتقدير لا يكون إلا بقدر العطاء والبذل، فالوطن ملك للجميع، وهو كذلك مسؤولية الجميع، فعلى درب الملك المؤسس، ومنذ البدايات الأولى لمسيرة النهضة الشاملة كان هذا التوجه المتوازن في منظومة الأسرة الواحدة، والمنهاج المتكامل لهذا النسيج الواحد، سعياً للحفاظ على وحدته وقوته، وباتجاه الصدارة إلى سباق العالم الأول..
إن الوطن لا يقوم إلا على سواعد أبنائه، ولا يرتقي أبداً إلا بتجاوزهم الخلافات الداخلية إلى لقاء الأمة الواحدة، والاصطفاف الوطني المرصوص، تواصلاً وتكافلاً، وولاءً وحباً، وتحقيقاً للانتماء الوطني بكل معانيه..
الوطن للجميع.. معنى وطنياً رائعاً جسده أبناء الملك المؤسس واقعاً تنموياً زاهراً، وعدلاً ورخاءً ملموساً، وأمناً سائداً مهاباً، فامتزجت القلوب والمشاعر في حب الوطن وخدمته، والذود عن عرينه وحماه.. وبحجمه الكبير ووطدوا له إدارته وقوته، واقتصاده واستقراره، فجاء أخوهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - وفقه الله - سائراً على نهجهم، ومقتفياً أثرهم، فأسس للحوار الوطني الشامل ليشمل كل الأطياف والأطراف، ووسع نطاق الشورى ليشارك فيه كل شركاء التنمية، كما ضاعف من الإنفاق والعطاء ليحدث النقلة التاريخية في بناء الإنسان، وتنمية المكان.. وهل ابتعاث أكثر من 130 ألف طالب وطالبة إلى أرقى الجامعات العالمية، وبناء الجامعات والمساكن في كافة مناطق المملكة، وعمارة المسجد الحرام ومسجد رسول الله والمشاعر المقدسة إلا شواهد عيان على اهتمامه بالدين والوطن، واستثماره في الإنسان.. وهل مشاريع البناء العملاقة، ومبادرات المملكة المتنوعة إلا شواهد بيان على توجهه التطويري، ورؤيته النهضوية الشاملة، لتحتل مملكة الإنسانية مكانتها العالمية، وتبقى شامخة عزيزة برسالتها السماوية.

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
وعلى نهج الملك المؤسس سار أبناؤه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وهذا هو خادم الحرمين الشريفين - سدده الله - يمضي على أثرهم في استئصال الأورام الخبيثة، وبتر الأجزاء الميتة، حتى لا يتفشى البلاء، فيصعب البراء، ويبقى البدن سليما معافى .. وإن ما يهدد حياة الأمة، وينذر بدمارها، لهو أشد خطراً، وأنكى ضرراً فزواله أولى، والقطع في حقه أحكم.
إن مصلحة الأمة فوق مصلحة الفرد، وتماسك الجماعة ووحدتها مطلب شرعي، وليس لمفارقها إلا السيف، وهو حكم شرعي لا اجتهاد فيه، ولا تأويل معه..
السيف أصدق أنباء من الكتب...
في حده الحد بين الجد واللعب
.. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، هل جزاء الوطن الغالي تنكر وحقد، وكراهة وخيانة.. أهكذا توفى الأوطان حقها.. أرض الولادة والنشأة، وعهد الصبا والشباب.. الوطن الذي منحنا كل شيء على ثراه الغالي خيراً ورخاءً، وأمناً واستقراراً.. أهكذا يكون جزاؤه عبثا بأمنه وسيادته، وبيعه بثمن بخس للعابثين والمفسدين..
إن خيانة الوطن جريمة يحاسب عليها الشرع، وعار لا يغفره التاريخ، لا يقدم عليه إلا دنيء الأخلاق، خسيس الطبع لا وفاء له ولا عهد..
لا تركنن إلى من لا وفاء له...
الذئب من طبعه إن يقتدر يثب

تحية وتقدير
ومهما حاول الأعداء بمكرهم ودسائسهم النيل من هذا الوطن المتماسك فإن جنودنا البواسل لهم بالمرصاد، وسيوفنا لأعناقهم تشتاق، وهيهات هيهات لما يوعدون ويمنون..
عدمنا خيلنا إن لم تروها...
تثير النقع موعدها كداء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا...
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم...
يعز الله فيه من يشاء
إن الكلمات لتعجز والعبارات لا تفي بحقك أيها الجندي المغوار، البطل الهمام فأنت حارس العقيدة، وحامي العرين أرخصت لدينك ووطنك روحك ودمك، وبذلك لأجله جهدك ووسعك فلله درك يا أسد الوطن الهصور أينما كان موقعك، ونزل مركبك..
فعش عزيزا أو مت وأنت كريم...
بين طعن القنا وخفق البنود
أو كما قال عنترة:
أقمنا بالذوابل سوق حربٍ...
وصيرنا النفوس لها متاعا
حصاني كان دلال المنايا...
فخاض غبارها وشرى وباعا

وسيفي كان في الهيجا طبيباً...
يداوي رأس من يشكو الصداعا

ولو أرسلت رمحي مع جبانٍ...
لكان بهيبتي يلقى السباعا

امض على عهدك مخلصا لدينك ووطنك، متطلعا للوفاء له، ونيل وسامه، والاستشهاد على ثراه ومن أجله، حتى يرتدع العابثون، ويهاب المتربصون، ويتوارى المرجفون والمفسدون.

توقيع
وطني العزيز الغالي..
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت...
أسباب دنياك من أسباب دنيانا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي