دارة الملك عبد العزيز.. والدور المنتظر (1 من 2)

لا أعتقد أن هناك مشروعات تُعطي من المردود أضعاف ما يُصرف عليها مثل المشروعات الثقافية، فهذه المشروعات هي الأقل تكلفة، والأدوم والأعم فائدة، ورغم ذلك نجد أن هناك من يستكثر بضعة ملايين تصرف على مشروع ثقافي يُحافظ على تاريخ وتراث البلد، في حين لا يرف له جفن حين يرى مشروعاً إنشائياً تُصرف عليه مئات الملايين، وقد يُزال بعد بضع سنوات، لسبب أو آخر، وهذه مع الأسف أصبحت شبه ثقافة عامة، تنتشر حتى بين أوساط المثقفين، حيث قد ترى بعض الجهات المعنية بالثقافة تستكثر صرف مبلغ من المال ـــ مهما كان زهيداً ــــ على الكتاب، وتصرف أضعافه على ما هو أقل أهمية منه.
دارة الملك عبد العزيز أنموذج للمشروعات الثقافية المتميزة، وهي تتميز بالتوجه نحو تاريخ وتراث المملكة العربية السعودية، حفظاً ورعاية ونشرا، حتى تمكنت وخلال 40 عاماً من عمرها في خدمة تاريخ المملكة وإرثها الثقافي والعلمي والاجتماعي، من أن تصبح مرجعاً مهماً للباحثين، ومنارة تنافح عن تاريخ المملكة، وعن الأسس التي قامت عليها.
فمن اقتناء الوثائق التاريخية والمخطوطات والصور المتعلقة بتاريخ المملكة وتاريخ الجزيرة العربية، إلى السعي لجمع أكبر عدد من المصادر التاريخية الأخرى، ومن تقديم خدماتها للباحثين والمهتمين بجمع الوثائق والمخطوطات والمشاركة في المؤتمرات والندوات التي تُعنى بتاريخ المملكة وتراثها إلى إقامة مراكز تاريخية في أنحاء المملكة، يضاف إلى ذلك ما تصدره من مجلة واكبت الدارة منذ تأسيسها، وما تصدره كذلك من نشرات ودراسات وبحوث ورسائل جامعية، وموسوعات تدخل في نطاق عمل الدارة، حتى تجاوزت إصدارات الدارة 270 كتاباً، بعضها في عدة مجلدات، كما تقوم الدارة بأرشفة ما تحويه مكتبتها من كتب عربية وأجنبية ودوريات، وبلغ ما تم أرشفته حتى الآن نحو 50 ألف عنوان، إضافة إلى ما تقدمه الدارة من مساعدة في مجال ترميم المخطوطات والوثائق وحفظها، وهذا ما جعل الدارة تحظى بثقة الباحثين والمعنيين بالتاريخ، كما جعل الكثيرين يقدمون مكتباتهم الخاصة لتكون تحت إشراف ورعاية الدارة.
هذا النجاح الكبير الذي حققته الدارة، يقف خلفه ويدعمه الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الدارة، الذي عُرف بحبه للكتاب، وعشقه للتاريخ، وحرصه على تراث المملكة، وهو حرص نبع من ثقافة متأصلة، واطلاع واسع يدركه كل من عرف سموه.
وإذا كانت دارة الملك عبد العزيز قد قامت بهذه الجهود عبر السنوات الـ 40 الماضية، برعاية كريمة من الدولة، وهي جهود متميزة، وتدل على سلامة المنهج، بحيث لم نر للدارة أي إصدارات تخالف ما هو معهود عن المراكز العلمية والبحثية الرصينة، واستمرت في أداء دورها الثقافي عبر الإمكانات المتاحة لها، إلا أن ما هو مطلوب ومنتظر من الدارة في هذا الزمن أمرٌ آخر، يحتاجُ إلى جهد مضاعف، وإلى دعم مالي كبير، وهو ما سيكون موضوع المقال القادم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي