الابتعاث والمَحرم!

■ في لقاء مختصر تم بعد حفل افتتاح مبنى الملحقية الثقافية الجديد في أمريكا حضره وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري، وسفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن الأستاذ عادل الجبير، وحضره الوفد الإعلامي المدعو إلى حفل تخرج الدفعة الرابعة من برنامج خادم الحرمين الشريفين في أمريكا في حزيران (يونيو) الماضي، أثير موضوع اشتراط المَحرم لدى ابتعاث الطالبات. طرح هذا الموضوع في سياق العوائق التي تعترض بعض الطالبات الراغبات في الدراسة واللواتي قد لا يجدن مَحرما للمرافقة.
هذا الموضوع كان مدخلا لنقاش حيوي حول ابتعاث المرأة واشتراط المحرم، فوزير التعليم العالي لم ينكر أن هذا ربما يكون مشكلة لبعض الطالبات.. إلا أنه، كما يقول، له (جانبه المشرق، والدولة عندما قررت فتح فرصة الابتعاث للمرأة تدرك أن لهذا ثمنه الكبير، والدولة تدفع أي ثمن إذا كان في مصلحة الناس)، والثمن الكبير الذي يشير إليه وزير التعليم العالي متعدد طبعا اجتماعيا واقتصاديا، ولكن دعونا نقف عند جوانبه الإيجابية الأخرى.
الأستاذ عادل الجبير عبّر عن هذا الجانب الإيجابي للابتعاث بطريقة طريفة.. قال: "اشتراط المَحرم مثل حوافز المبيعات. اشتر واحدة واحصل على الثانية مجانا!، هل هناك دولة في العالم تقدم لشعبها مثل هذه الميزة في التعليم العالي المكلف؟".
الوزير والسفير ومعهما الدكتور محمد العيسى الملحق الثقافي قدموا بشكل موسع الكثير من المميزات التي ترتبت على وجود المحرم، فهناك من استفاد من العلاج المتقدم للأمراض المزمنة، (مثال واحد تم إجراء أكثر من 24 عملية زراعة كبد للمرافقين) وإحدى الطالبات جاءت بوالدها وحصل على الكشف والعلاج الطبي المتقدم، ثم جاءت بعمها، ثم بخالها، وكل هؤلاء استفادوا من التغطية الطبية المتقدمة للطلاب السعوديين، وهذه الحالات لا توضع أمامها التعقيدات، بل تسهل الأمور لها من الوزارة والسفارة رغم ارتفاع تكاليفها، لأن المستفيد في النهاية هو: المواطن السعودي.
طبعا هذا يضاف إلى الميزة التي يحصل عليها المَحرم المرافق. فهناك مَن حصل على بعثات كاملة في أرقى الكليات والمعاهد، وهذه فرصة للجادين من الأزواج والأقرباء، كما أنها ميزة أيضا لبعض المتقاعدين الذين وجدوا الفرصة لتعليم بقية أبناء العائلة، وبعض المتقاعدين يقدمون دروسا حضارية رائعة عن مفهوم حق المرأة في التعليم والعمل في مجتمعنا.
أحد هؤلاء (أبو عبد الله) بعد تقاعده جاء مع إحدى البنات للدراسة في كاليفورنيا، وساقته قناعته أن ابنته (لها الحق في التعليم.. فقد كانت لها رغبة شديدة لدراسة الماجستير، لماذا أحرمها، إنها بنتي، والدين يكفل لها هذا الحق). طبعا تجربة الغربة لم تكن سهلة على أبي عبد الله، فالابتعاد عن بقية العائلة صعب جدا، ولكن (التضحية واجبة)، كما يقول.
أبو عبد الله يقدم النموذج الإيجابي عن المواطن السعودي الذي يقف مع المرأة يدعم تعليمها وعملها، فرغم مظاهر التدين والالتزام التي تلمسها على أبي عبد الله (لا نزكي على الله أحد)، إلا أن أبا عبد الله قام بواجبه لأن (الدين يأمر بذلك، يأمر بالإحسان للمرأة ويقدس حقوقها) وأبو عبد الله يقدم النموذج الواسع للمواطن السعودي، وأعتقد أنه يقدم الرد العملي الموضوعي على الذين يروجون للصورة السلبية عن الدين وعن مجتمعنا تجاه المرأة، ففي برنامج الابتعاث العديد من الصور المشرقة عن موقف الرجل تجاه المرأة.. وطبعا هناك الصور الإيجابية الرائعة عن تضحية المرأة ووقوفها إلى جانب زوجها المبتعث.
وعموما.. المرأة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث لها حضورها الإيجابي الواضح، فالآن تشكل نسبة الطالبات 28 في المائة من عدد المبتعثين، وهذا العدد في أمريكا فقط حيث يبلغ إجمالي المبتعثين حدود 45 ألفا، ومستوى التحصيل العلمي لدى الطالبات أعلى من الطلاب، وتفوق الطالبات السعوديات يضاف إلى تفوق النساء المسلمات في أمريكا، والدارسون للهجرة والاندماج الاجتماعي في أمريكا يشيرون إلى أن المسلمات يتقدمن وينجحن أكثر من بقية الثقافات والديانات، ولاحظ الباحثون هذا التطور بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وهو مؤشر إيجابي على تقدم وضع المسلمين في أمريكا. والطالبات والزوجات السعوديات يقمن الآن بدور مهم في الدعوة الإسلامية والتعريف بالإسلام وبالثقافة العربية والإسلامية، وبالذات التعريف بالمجتمع السعودي، سواء بين الأمريكان أو بين الجاليات التي تعيش هناك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي