Author

الاستقالة ..

|
( 1 ) تعرّف الاستقالة بأنها "عبارة عن طلب يتقدم به الإنسان ذكر أو أنثى لمعزّبه" رئيسه "أو معذّبه طالباً القرب .. عفواً أخطأت! طالباً البعد بطي قيده وإنهاء العلاقة الوظيفية بعد انقضاء فترة زمنية. وقد تتم بناء على طلبه أو بناء على طلبه" وعندها يكون أمام المستقيل ثلاثة خيارات وهي: الانتحار والعياذ بالله، أو الاكتئاب والانزواء، أو أن يحوّل الأزمة إلى فرصة والمحنة إلى منحة فيستأنف الحياة ممتثلاً قوله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" سورة البقرة آية 54. ( 2 ) ما فهمناه بأن الاستقالة تكون من الوظيفة التعاقدية فحسب، والصحيح أن الإنسان يرتبط بمن حوله بعلاقات تعاقدية غير مكتوبة. وآثارها الجزائية في الدنيا والآخرة أكبر مما نتصور، ومنها العلاقات الأسرية داخل المنزل التي أصيب بعض من بيوتنا بها فاستقالت فعلاً عن وظائفها ومنها: 1) لا للفرح: لقد غادرت البراءة والابتسامة العفوية المنزل، وحل محلها الكآبة والحزن. وفي ذلك اليوم النادر حين ضحكت الأسرة؛ قام أحد أفرادها باغتيالها، معلناً إضراباً عن الكلام أو افتعال الشجار، كأنما الشيطان نصبه سفيراً، قائلاً: لا تنسوا أنفسكم فنحن تجمّع من أجل النكد!! 2) خادم القوم سيدهم: يطلق هذا المثال على من ينبرى لخدمة الجماعة، أما سيد بعض البيوت المعاصرة هو "الأب البديل" الذين بلغ تعدادهم عام 2009م "300 ألف" سائق فهو يقوم بتوصيل الأبناء للمدارس والعودة بهم، ويرافق الأسرة لزيارة الأقارب والسوق والمطاعم، فضلاً عن تأمين حاجيات المنزل من المواد الغذائية والغسيل، ولكي تتأكد من مصداقية هذا .. فانظر لمن تفتقد الأسرة عند السفر، هل الأب الحقيقي أم الأب البديل؟ ولمزيد من التأكد سأل الأب البديل لجيرانك. أن بعض الأسر ذهبت بعيداً جداً حين أصبح السائق مؤتمنا على كل شيء!! تألمت ذات يوم عند بوابة إحدى المدارس الابتدائية حينما شاهدت سائقاً يحتضن طفلة بريئة والمدام في المنزل تغط في نوم عميق!! والحجة طبعاً معروفة، أنه مجرد سائق ...!. 3) العقد الثمين: لا أستبعد بعد عشر سنوات؛ أن الطفل يولد وعلى رقبته عقد معلق به قطعة ألماس على شكل همبرجر صغير، أما الطفل السمين .. ثلاثة كيلوا فأكثر!! ما شاء الله تبارك الله .. فملحق بالعقد درزينة مزازات بيبسي. إن ما يسمى طعام "فاست فود" ويسمى في الغرب "جنك فود"، قد غزا عقول أولادنا حتى أصبح من النادر أن تأكل الأسرة سوية، فتخسر اللقاء الممكن، ودع عنك الآثار السيئة في الصحة حتى غدا الشاب متورماً "هرش" تخاف ضخامته، وإذا حدثته تكتشف أن الكبير جسمه فقط. 4) مدخنة الألب: يعجبني دخان خشب السنديان أو البلوط وهو يتصاعد من مدخنة بيت ريفي تحيط به الثلوج على أحد جبال الألب في الريف السويسري أو الفرنسي، أما مدخنتنا نحن في الصحراء قد أوضحتها دراسة صحية خليجية حديثة صدرت في كانون الثاني (يناير) 2002م أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز (23) في العالم باستهلاك نحو (2130) سيجارة للشخص سنوياً، ونحتل الرابع عالمياً بالنسبة لعدد السكان إلى عدد المدخنين منفقين (12) مليار ريال ويقتل منا (23000) مواطن سنوياً بسبب مباشر أو غير مباشر. إن عادة التدخين وشرب النرجيلة للنساء أصبحت ظاهرة تعكس حالة الضيق والفراغ العاطفي في سعى دؤوب للبحث عن الذات وإثباتها. إن التدخين أحد الشروط اللازمة للالتحاق بنادي المخدرات لا قدر الله .. لقد افتقدنا رائحة البخور والمعمول والعنبر .. دخلك وينك!! 5) طفلنا مؤدب: أتذكر وأنا طفل صغير في عمر سنتين؟! أحدنا يبكي لمدة ثلاث ساعات فتستجيب أمي لطلبي ويقال عني "مدلّع" بينما ابن الجيران يبكي ست ساعات فتستجيب أيضاً أمي حتى يكف عن إزعاجنا!!، أما اليوم فتدخل المنزل ولا تسمع أي حس ولا خبر فتقول - ما شاء الله تبارك الله - على هذه الأم التي أحسنت تربية أطفالها، وبعد برهة تصدم بأن هناك أم بديلة "الخادمة" أرعبت الطفل عند غياب الأم في المدرسة أو حين تغط المدام في نوم عميق، فأصبح الطفل لا يتكلم لا في خير ولا في شر، في حين أطلقت بعض الأمهات شعاراً جديداً اسمه: التلفزيون من المهد وحتى اللحد!! تشير الإحصاءات إلى أن 70 في المائة من مشكلات الطفل النفسية نتيجة هروب الأم من مسؤولياتها وتركها للخادمة!! 6) ماما فين؟: يكاد اسم "ماما" يختفي باستثناء "ماما نوره" وهو اسم مطعم له عدة فروع في مدينة الرياض، حكى لي أحد الزملاء أن به "شكشوكة" تطيّر العقل، ولا بأس أن تشرب معه قليل من عصير الموز بالحليب محلى بملعقة عسل .. وبالهناء والشفاء .. الشاهد أن "ماما" تنازلت عن دورها التاريخي باحثة عن أدوار أخرى. إن ماما يا حبيبي لم تجد نفسها بعد! 7) بابا الحصالة: حينما تسأل أحد أبناء الطبقة الوسطى .. بماذا يذكرك وجه أبيك؟ فيجب فوراً دون تردد: الحصالة، أما إن كان من أبناء الطبقة الغنية فسيقول إن وجه والدي يذكرني بصراف Atm. لقد انحسر دور الوالد لا سيما مع ازدياد ضغوط الحياة فالفقير يريد أن يغدو ميسوراً والميسور يريد أن يصبح غنياً والغني يريد أن ... عفواً لا يملك إجابة!! يعود الأب المنهك للمنزل وقد بذل أقصى جهد ممكن وخسر بعضاً من أقرانه وكثيراً من صحته والنتيجة: ما رأينا منك خيراً قط أيها الحصالة .. أخي الحصالة: كثيراً من المال وكثيراً من الحب إن أمكن. 8) ما في نوم بعد اليوم: إذا أجريت اتصالاً هاتفياً الساعة الواحدة فجراً فلن يستهجن ذلك أحداً فالليل أصبح معاشاً والنهار أصبح سباتا، فالأطفال يذهبون للمدرسة كارهين وفي الفصول نائمين، أما الوالد والوالدة في العمل مثل العسل!! بل زي البصل حتى لو ألحقتهم بمليون برنامج تدريبي في الخدمة المتميزة .. قلة النوم أفقدتنا جودة التعليم وصحتنا النفسية وأخلاقنا الاجتماعية. 9) بيتنا أوتيل: الجميع يهرب من المنزل فعلى الرغم من جهود هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الفاو واليونسيف وأطباء بلا حدود الذين بادروا مشكورين بإرسال خبراء على أعلى مستوى فاكتشفوا أن البيت مصاب بالحسد والعين .. فالأم تهرب للهاتف فتثرثر طويلاً شاكية بؤسها لصديقتها أو أختها، وما علمت أن باب النجار مخلّع فالمشتكى إليه ليس أفضل حالاً البتة .. والشاب برفقة صديقه السيئ متسكعاً في أحد المقاهي ممسكاً بيديه الاثنتين بشيز برجر دبل يتقاطر الكاتشب والميونيز منه، مشعلاً بعدها سيجارة مارلبورو أبيض، ويقول له صاحبه المنافق: من قدك!! أما البنت فتهرب مع صديقتها على البلاك بيري أو الإنترنت ثم تشاهد مسلسلا غراميا على قناة ذات تخطيط ممنهج لإفساد الأخلاق!! لتحلم بجبال خضراء بعيداً عن الصحراء القاحلة من كل شيء. أما الوالد "الحصّالة" فيكافأ نفسه بعد عناء يوم ممل بالهروب إلى الكهف المسمى "استراحة المحبطين". لقد أدى الجميع أدوارهم في التنمية والعمران البشري وناموا في الأوتيل منهكين، متطلعين إلى غد مشرق وحزين!!. 10) حقوق المرأة: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما تنصرون بضعفائكم" أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وقد لفتت نظري تلك الإفادة النبوية، ففي العالم المادي البحت تكون النصرة والغلبة بالقوى، بينما نجد أن الإسلام المتحضر يعطي الحياة مفهوما آخر، معلياً من شأن القيمة الإنسانية وللضعيف بالتحديد لأنه مكان اختبار النوايا. ومن الضعفاء الخدم الذين بلغ تعدادهم عام 1425هـ (600 ألف) خادمة ويتأكد هذا إن كانت امرأة أي امرأة بغض النظر عن دينها وجنسيتها، أنه حق مكتسب من الخالق: "عن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم فوق طاقتهم فيما تستعملونهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" رواه البخاري، سأترك لخيالك وخبرتك الذاتية عزيزي المشاهد عن صنوف المعاناة التي تمارس ضد الخدم من العمل لساعات طويلة دون وقت للراحة، وحمل الأكياس الثقيلة على مرأى من الرجال العرب الأشاوس ناهيك عن التحرش الجنسي بهن من الأبناء ومنعهن من استخدام الهاتف أو الجوال أو الإنترنت أو الخروج مع أو دون الأسرة، وسجنها في قفص من حديد، فمن المطار وإلى المطار، فضلاً عن المماطلة في دفع حقوقها وارتكاب نذالة كبرى بابتزازها للتنازل عن رواتبها السابقة لإطلاق سراحها عند نقل كفالتها أو العودة إلى أهلها .. إن الكذبة الكبرى أن يقدم لها كفيلها على سلم الطائرة كتيبات صغيرة تدعوها للإسلام!! 11) مجلسنا مغبّر: أستغرب من البعض عنايتهم بمساحة المجلس الإفرنجي والعربي وغرفة الطعام والمغاسل ذات الأحواض المتعددة والسجاد وأقمشة الكراسي والستائر يليه أطقم الطعام .. ونهايتها مجلس لا تسمع فيه إلا صوت البوم، خالي من الكرم والوفادة فلا يفتح في السنة إلا ثلاث مرات أما لعزاء أو لعيد الفطر أو مناسبة لاصطياد رجل نافذ .. الضيافة أصبحت ثقيلة وانقسم الناس بين رجل راغب وخائف من بعلته، أو امرأة راغبة وتتحاشى بخل بعلها. لقد فقد الأبناء فرصة تعلّم سلوك وأخلاق النبلاء .. اليوم وليس غداً انفض الغبار، وارفع سماعة الهاتف وقل للقريب والحبيب: مرحباً ألف. 12) الحب خرج من الشبّاك: إذا دخل النزاع والخصومة والغضب من الباب فإن الحب سيخرج من الشبّاك فيضرب البيت بتسونامي الطلاق النفسي الذي يعرّف: "حالة تعتري العلاقة الزوجية يشعر بها الزوج أو الزوجة أو كلاهما؛ خواء المشاعر منعكس على جميع التفاعلات داخل الأسرة، وهو عكس التوافق الزوجي حين يسعى كل طرف لتحقيق الرضا للطرف الآخر بإشباع رغباته سواء كانت جسمانية أو عاطفية أو اجتماعية أو اقتصادية". على الزوجين أن يعلما أن خسارة الحب قد دمّرت المنزل من الداخل، والجميع على جرف هار قد ينهار بشكل دراماتيكي بين عشية وضحاها، ولن ينفع ولات مندم، ولذا عليكما أن تنهيا معركة عض الأصابع، فالرجل قد سلّم بالهزيمة من الداخل وتأبى رجولته الاعتراف، وعلى الكائن الأنثوي اللطيف المبادرة فوراً وليس غداّ بإدخال الحب من الباب مع إحكام قفل الشبّاك. 13) قطّاع الطرق: قال تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" سورة محمد آية 22، إن من النساء والرجال من تسبب في تقطيع الأرحام فهو يريد أقارب الآخر على ذوقه الخاص في حدّية متطرفة، فأما معي أو ضدي. إن التجمعات البشرية الإلزامية لا يصلح لها إلا التعايش حين تقبلني كما أنا. فأين للزوج أو الزوجة أن تأتي ببديل عن الأم أو الأب أو الأخ أو الأخت. لقد ساهمت بعض النسوة على الأخص في خراب العلاقات العائلية وشحن وتغذية الأطفال بأحقاد الماضي فإن حدث اللقاء فلا يحتاج إلا لعود ثقاب صغير كي تشتعل نار الفرقة من جديد .. 14) من المسؤول: إني أحمّل الزوج مسؤولية أكبر، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" سورة النساء آية 34، إن الميزة التفاضلية للرجل هي القيادة، والقيادة التي أعنيها ليست تسلطية وإنما قوة التأثير في أرواح الأتباع نحو تحقيق الأهداف المرغوبة. إن النساء جياد ذات سلالات متنوعة على الخيّال أن يحسن الاختيار ابتداءً، ثم إدارة المنزل إدارة تشاركية حازمة وليست عنيفةـ فهذه الجياد لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم. ( 3 ) إن ما حدث في المملكة العربية السعودية من ثورة تعليمية لم يحدث مثلها في التاريخ البشري قط - إن كان في الحجم أو المدة الزمنية - يجعلني واثقاً بأن إيمانناً العميق سيمكننا من المراجعة والتقييم والتقويم لاسيما من عقلائنا وجيلنا الصاعد، الواعي بأهمية جودة الحياة التي ثمارها انشراح الصدر والبهجة والسرور والإقبال على الدنيا بأمل عريض. أيها السعوديون ... الاستقالة مرفوضة
إنشرها