السن والخبرة في الإدارة .. وتّغير قواعد اللعبة

لقد تعودنا على مر السنين على أن الخبرة التي تأتي مع السن المتقدمة هي ما نحتاج إليه للإدارة وهي الأصلح، وهذه هي الحقيقة إلى وقت ليس بالبعيد. ولكن هل ما زال الوضع على ما هو عليه؟ والجواب في وجهة نظري لا.. ليس كما هو في السابق، فقواعد اللعبة تغّيرت. وقد حدث هذا التغيير خلال آخر 14 سنة، وهي بداية الإنترنت والتطور التقني وسهولة الحصول على المعلومة. وهذا أدى إلى وجود شباب قادر على إنشاء وإدارة شركات من غرفة نومه لتصل أرباحها إلى مليارات الدولارات خلال سنتين أو ثلاث، وهو ما لم يستطع تحقيقه أصحاب الخبرة في 40 أو 50 سنة. وهناك أمثلة كثيرة في أمريكا كشركة ياهوو، وهوت ميل، وفيس بوك، وسكايب، وقوقل وغيرها كثير. فقد أصبحت بعض هذه الشركات بحجم أو تفوق حجم الشركات العريقة كفورد، وجي إم، وول مارت وغيرها.
أما لدينا في السعودية فقد شاهدنا بعض الشباب في الثلاثينيات من العمر عمل إنجازات لم يستطع كبار السن وأصحاب الخبرة على عملها، كما أن بعض الشباب الذي تولى إدارة تجارة أهاليهم قد نمّوها بسرعة أكبر من المؤسسين، فضاعفوا الأرباح خلال وقت وجيز. ولكن هذا لا يعني التقليل من قدر الخبرة وأصحابها، فهم الأساس ولهم أهمية كبيرة. ولكن عندما نزاوج بين هذه الخبرة الطويلة وبين حماس الشباب وطموحه وأفقه الواسع وسرعته في التعلم والتنفيذ ومواكبته أحدث التغيرات في عالم الإدارة، فإن النتائج تكون مضاعفة. فعندما نجح شباب ''قوقل'' أو ''ياهوو'' وغيرهم استعانوا بأصحاب خبرة لمساعدتهم على الإدارة مع الإبقاء على روح الشباب وطموحه. وكذلك الشباب السعودي الذين يعملون في تجارة أهاليهم، فهم لا يستغنون عن أصحاب الخبرة والمؤسسين، فيصبح صاحب الخبرة كرئيس مجلس إدارة أو عضو ويتولى الشباب الإدارة. وهذا لا ينطبق فقط على أصحاب الإدارة أو الأعمال ولكن حتى في مجالات أخرى، مثل الإعلام. فخلال السنوات الأربع الأخيرة برز بعض المذيعين السعوديين الشباب وبلغوا من النجاح الشيء الكثير وفي فترة قياسية مقارنة بالمذيعين المخضرمين، كما أنهم تفوقوا على كثير من القدامى، ومع ذلك ما زالوا يحتاجون إلى خبرة الإعلاميين المخضرمين لمساعدتهم على استمرار هذا النجاح.
والأمر أعلاه ينطبق حتى على الوزارات والإدارات الحكومية، فلوا عيّنا وزراء شباب مؤهلين مع وجود أصحاب الخبرة من الوزراء القدامى كأعضاء مجلس إدارة أو مستشارين فإننا سنحقق ما نريده في فترة وجيزة، وسنسّرع عجلة التنمية، وهذا ما يريده الجميع.
وأخيرا كي أكون واقعياً، ما أقصده بمعنى الشباب المؤهلين كوزراء، وحيث إن الموضوع هو إدارة مصالح البلد والمواطن، فأقصد بمن هم الفئة العمرية 40 ـــ 45 تقل أو تزيد بحسب كفاءات الشخص. فهذا هو عمر اكتمال الرجل أشده في العقل، ومع ذلك ما زالت فيه روح الشباب، وليس هناك أصدق من قول الله تعالى في سورة الأحقاف (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين).

المزيد من مقالات الرأي