الصين القوة.. الناعمة والمالية الضاربة

تزحف الصين بهدوء عجيب وبخفة متناهية وبوسائل عديدة إلى كثير من الدول الإفريقية، وتستعمل أسلحة مختلفة لهذا الغزو الهادئ القوة المالية والاقتصادية وأساليب التأثير الكبير في رؤساء الدول والأحزاب القيادية إن وجدت، وتحاول أن تسترضي الجميع بطرق مباشرة وغير مباشرة، وهدفها الباطن المعلن هو الحصول بهدوء على حاجتها من الطاقة والمعادن، وفي سبيل استرضاء صناع القرار فهي تستعمل جميع الوسائل كبناء الطرق والمستشفيات والمدارس، وتدخل في عقود طويلة الأجل في أي مكان في إفريقيا تجد فيه حاجتها الحالية والمستقبلية من الطاقة والمعادن، وهي توجد على استحياء في دول إفريقية كثيرة، ولا شك أن الصين وقوتها المالية الحالية التي تعد أكبر دائن لأمريكا بتريليونات الدولارات لدرجة تستطيع أن تؤثر في التصنيف الائتماني لدولة عظمى كالولايات المتحدة التي تنوء بأعباء الديون الكبيرة لدرجة إثقال كاهلها والتأثير في وضعها المالي نتيجة دخولها في مغامرات دولية كبيرة كأفغانستان والعراق ومحاربة الإرهاب واسترضاء بعض الدول التي تود أن تسير في ركابها الاقتصادي، إضافة إلى إصلاح بعض الأوضاع الداخلية كالخدمات الصحية والتعليم والمرافق الأساسية كالطرق والمواصلات كالقطارات، وتحمل فاتورة أعباء الدخول في مغامرات دولية ـــ وعودة إلى الصين فإن ما أعلنته من فائض مالي في الفترة السابقة بنحو ثلاثة تريليونات دولار، وقد أدهشت العالم أجمع نسبة نموها الاقتصادي الكبير خلال السنوات الماضية وانطلاقها الكبير لتكون من أكبر وأقوى الدول الاقتصادية في العالم وليس ذلك عنها ببعيد، وقد غيرت الصين من نمط عيشتها الاقتصادية السابق، وانطلقت إلى آفاق الرأسمالية الاستثمارية، وتغير الحال من اللون الأحمر (الشيوعي) إلى آفاق الرأسمالية دون أن تغير كثيرا من توجهاتها الاقتصادية والسياسية لتبقى قوة عظمى بعد أن تهاوت قدرة الاتحاد السوفياتي وتفككت أوصاله، وقد كنت محظوظاً لمتابعة التطورات التي حدثت في الصين منذ عدة سنوات، وقد أدهشني هذا التغير السريع، ففي الزيارة الأولى في الثمانينيات كانت الصين النمطية قبعة القش وبدلة زرقاء فاتحة بنطلون وقميص ووسيلة المواصلات هي الدراجة، وكنت ترى بلا مبالغة آلاف الناس في ساعات معينة في وسط بكين بجوار ميدان تنيامين مقابل البرلمان آلاف الدراجات غطت الطريق الطويل متجهين إلى أعمالهم أو قادمين منها في ساعات معينة، ما يتعذر السير في الشارع مقابل المدينة المحرمة ـــ تغيرت هذه الصورة واستبدلت الدراجة بالموتر الكهربائي (الموتور سايكل) لسنوات وبالمظهر نفسه باستثناء قبعة القش التي استبدلت بقبعة واقية، وحصل التغيير الكبير في التسعينيات، حينما بدأت السيارات تغزو الشوارع وهي صناعة محلية، بعضها بالتعاون مع شركات عالمية مثل جنرال موتورز وفلكس واجن ومرسيدس وبي إم، ثم انطلقت ناطحات السحاب والفنادق العالمية الكبرى لتوجد في بكين وشنغهاي وجوانزو أو غيرها وبصورة رفاهية كبيرة تدهش الناظر وتسر المستخدم ـــ وسيطول الحديث عن الصين ـــ ولكن باستعمال الآلة الحاسبة استطعت أن أصل إلى نتائج مدهشة لما تستطيع الصين أن تفعله بالفائض لديها، وهي ثلاثة تريليونات دولار، إضافة إلى ما لديها من سندات أمريكية تستطيع الصين والبنك المركزي الصيني، إضافة إلى دعم الاقتصاد الأمريكي بشراء السندات، فإنها تستطيع إن توجهت لليورو في حالة رغبة البنك المركزي الصيني لشراء الديون السيادية لإسبانيا وإيرلندا والبرتغال واليونان بنصف ما لديها من احتياطات، وربما تنفتح شهيتها للاستثمار في الشركات العالمية لشراء أبل وميكروسوفت وآي بي إم وجوجل بنحو تريليون دولار، ويبقى لديها تريليونان ـــ كما تستطيع شراء جميع أندية الدرجة الأولى في بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا بنحو 50 مليار دولار، ويبقى لديها الكثير ـــ كما تستطيع شراء كامل جزيرة منهاتن بنحو 287 مليار دولار وشراء كامل عقارات واشنطن بنحو 232 مليار دولار، والقائمة تطول عن إمكانية الصين لشراء كامل إنتاج العالم من النفط أو شراء شركات سلاح البنتاجون هذه فقط قائمة شراء لما تستطيع الصين أن تعمله بما لديها من فائض نقدي ـــ وآمل أن يتسع فكر أحد الإخوان الماليين ليضيف إلى هذه القائمة التي نشرتها مجلة ''الإيكونوميست'' البريطانية مجالات أخرى للشراء ـــ ولله في خلقه شؤون.
والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي