إدراك أبعاد زيادة ميزانية الصين الدفاعية

تتقدم الصين كثيرا على الهند، ليس فقط في النمو الاقتصادي، ولكن كذلك في الإنفاق الدفاعي. وأعلن البلدان، خلال الفترة الأخيرة عن إنفاقهما الدفاعي للسنة 2011 – 2012، حيث زاد الإنفاق الهندي الدفاعي بنسبة 11.6 في المائة، بينما من المقرر أن يزيد الإنفاق الصيني الدفاعي بنسبة 12.7 في المائة.
قد لا يبدو الفرق في النسبتين كبيرا، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار رقم الأساس الذي قورنت معه الزيادة الصينية، فإن ذلك يصبح مصدرا للقلق. وظلت زيادة نسبة الإنفاق العسكري الصيني مستمرة بخانتين عشريتين منذ عام 1989. ولم تتراجع إلى 7.5 في المائة إلا خلال عام 2010، إذ يعتقد أن الانكماش كان وراء ذلك، إلاّ أنه ما إن أدركت الصين أن الانكماش ليس كبيرا، حتى عادت الزيادة إلى مرتبة الخانتين.
غير أن من المهم الإشارة إلى أن الميزانية الصينية العسكرية لا تتضمن إلا المكون المعلن فقط؛ إذ لا تتضمن، على سبيل المثال، تكاليف تطوير أنظمة الأسلحة الجديدة، أو تكلفة شرائها من المقاولين الأجانب. ولهذه الأسباب لم تتضمن ميزانية الدفاع الجديدة الأرقام الخاصة بإتمام صناعة حاملة طائرات ينتظر أن تدخل الخدمة عام 2014، وكذلك التكاليف الخاصة بتطوير وتصنيع الطائرات العسكرية التي لا يكتشفها الرادار.
تزيد الصين ميزانيتها الدفاعية، وفي ذهنها أهداف عدة، حيث تتجاوز النظرة إلى كونها قوة آسيوية، وتتطلع إلى البعد العالمي، ولا سيما في ظل نموها الاقتصادي السريع؛ ولذلك تسارعت وتيرة الإنفاق على السلاح الجوي، والبحرية الصينية.
أدت عمليات تطوير الطائرات التي لا يكتشفها الرادار، وأنظمة الصواريخ المتقدمة، وصناعة حاملات الطائرات، من جانب الصين، إلى زيادة قلق المنطقة، وبالذات فيما يتعلق بتايوان، الجزيرة ذات الحكم الذاتي التي تطالب بها الصين، وكذلك فيما يتعلق باليابان، والهند.
إن ما يقلق أمريكا بالذات هو تطوير الصين صواريخ يمكنها ضرب حاملات الطائرات. وستمنع صواريخ صينية جديدة يتم تطويرها، حاملات الطائرات الأمريكية من الاقتراب كثيرا من شواطئ تايوان إذا نشأ وضع طارئ في هذه المنطقة. وجربت الصين طائرتها العسكرية الخفية الجديدة في أوائل هذا العام. وكان في ذلك عرض واضح للقوة؛ نظرا لتوقيت التجربة حين بدأ وزير الدفاع الأمريكي، روبرت جيتس، زيارة إلى بكين.
ازداد القلق الياباني من زيادة الإنفاق العسكري الصيني. وتزايد القلق على نحو خاص في الوقت الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة اقتصاديا، حيث لا يصبح اليابانيون على ثقة بالتزام الأمريكيين الخاص بالدفاع عن منطقة شرق آسيا؛ ولذلك زادت اليابان تعاونها مع الولايات المتحدة على أمل تحقيق مستوى أعلى من التكامل بين قوات البلدين، بينما تظل اليابان على استعداد لمواجهة احتمالات تراجع الوجود الأمريكي في آسيا في المستقبل.
ممّا لا شك فيه كذلك أن الصورة العسكرية الصينية الأكثر تشددا سلطت المزيد من الضوء على مخاوف اليابان. وتخشى اليابان من اختراق أجيال جديدة من الطائرات العسكرية الصينية لأجوائها، حيث هنالك طائرات متطورة على طراز الطائرة العسكرية الروسية، سوخوي – 27. وأدى ذلك إلى تعزيز اليابان لقواتها في جنوب غرب أوكيناوا، الأمر الذي يمثل تغييرا كبيرا في استراتيجيتها العسكرية.
هنالك جهات أخرى لديها مخاوف مشابهة، وبالذات كوريا الجنوبية. وتزداد الصين قوة من الجانب العسكري، كما أن التهديد الكوري العسكري الشمالي يتصاعد. وقد جعلت هذه التطورات كوريا الجنوبية أكثر تفهما للخطط العسكرية اليابانية الجديدة.
إن من العوامل التي تقيد حركة اليابان هذه، وجود الدستور السلمي الذي لا يسمح بحشد قوات عسكرية كبيرة، حيث إنه يتيح تطوير قوات دفاعية بصورة رئيسة. غير أنه على الرغم من كل هذه القيود، فإن اليابان تريد أن توضح للصين أنها تطور قدراتها العسكرية، وذلك وفقا لاستراتيجية جديدة تهدف إلى الحيلولة دون هيمنة الصين على مناطق بحرية تحت سيطرة اليابان.
نجد كذلك أن زيادة الإنفاق العسكري الصيني تسبب مخاوف متزايدة للهند. وعلى الرغم من محاولة الصين تهدئة المخاوف الآسيوية بإعلانها أنها اتفقت مع الهند على المحافظة على السلام، والهدوء في مناطقهما الحدودية بانتظار تسوية خلافاتهما، إلا أن حقيقة النمو السريع للميزانية الدفاعية الصينية ما زالت تمثل سببا كبيرا للشعور بعدم الأمان لدى بقية دول المنطقة.
لم تعد الصين تكتفي بأن تظل مجرد قوة اقتصادية كبيرة. وتفكر الصين في أن عليها أثناء النمو الكبير لتجارتها، واقتصادها، تطوير قوات بحرية قديرة يمكنها ضمان عدم تعطل حركة التجارة في البحار. وتعتقد الصين أن الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على مثل هذه الإعاقة لتجارتها؛ ولذلك تقوم بكين بتطوير قدراتها العسكرية، وهي تبقي في الذهن ضرورة معادلة القوة العسكرية الأمريكية.
أدى هذا التطور الصيني العسكري السريع إلى عدم الراحة في كل من اليابان، والهند. وتدعي الصين أن قوتها العسكرية تهدف إلى حماية سيادتها، ومناطقها الشاسعة. ولكن لا يستبعد في المستقبل أن تلجأ الصين إلى اللجوء إلى دبلوماسية القوارب المسلحة في محاولة حل نزاعاتها الإقليمية مع جيرانها في هذه المنطقة. وأدت هذه المخاوف إلى زعزعة الاستقرار في آسيا، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من تطوير القوات العسكرية في المنطقة، وهو أمر لن يكون في صالح ''السلام العالمي'' الذي تقول بكين، باستمرار، إنها تدعمه.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي