الاختبارات استنفار في غير وقته

الاختبارات استنفار في غير وقته

الاختبارات استنفار في غير وقته

الاختبارات شرّ لابد منه هذا ما درسناه في مادة القياس والتقويم في تعليمنا الجامعي وإغارة وزارة التربية والتعليم على شبح الاختبارات واغتياله أجهز على رعب الاختبارات حتى لفظ أنفاسه لدى الطلاب لكنه باق لدى المسئولين مما ترك بعض مساوئه التي نلاحظها حينما أصبحت الاختبارات جسداً بلا روح ، و الاختبارات يفترض أن تقيس المستوى الذي وصل إليه الطالب ، كما أنها تقيس مستوى أداء المعلم وكذلك مستوى أداء إدارة المدرسة ؛ لكن ذلك بشرط أن يكون الهدف منها القياس الذي يبنى عليه التقويم أما حال الاختبارات اليوم في مدارسنا فهي أبعد ما تكون عن مهمتها التي يفترض أن تؤديها.

وإذا حاولت أن تتعرف على صدق ذلك فتتبع الأسئلة التالية ثم حاول أن تجيب عنها لتجد نفسك دخلت في دوامة لا تجد لها مخرجا تربويا مفيدا في وضعها الراهن، فماذا يراد من الاختبارات في وقتنا الحاضر ؟ ولماذا هذا الاستنفار الضخم لجميع المدارس الثانوية ؟ والاستنفار للمشرفين التربويين والمسئولين في إدارات التربية والتعليم؟
أكل هذا الاستنفار من أجل أقل من نصف درجة للمادة الواحدة يستفيدها الطالب في تأهيله للدراسة الجامعية ؟.

ثم ما هي الفائدة التي يجنيها الطالب والمعلم من هذا الاستنفار الضخم لإدارات التربية ومشرفيها ومتابعتها المدارس للتأكد من سير الاختبارات على الوجه الصحيح. الحقيقة أن كل هذه الجهود لا تفيد الطالب في شيء لأن العام الدراسي قد انتهى ولن يستفيد أي تغذية راجعة لأخطائه في ورقة الإجابة بأي شكل من الأشكال ، وإذا كان الهدف قياس مستواه فأين التدقيق في القياس طوال العام الدراسي؟ وهل يراد من القياس إلا التقويم و تصويب الأخطاء وإذا كان الطالب يرحل من مدرسته ويغادرها وهو لا يعلم شيئاً عن صوابه و خطئه إلا درجة إجمالية لا يعرف عنها أكثر من أرقام ليس لها أي دلالة بالنسبة له سوى ترتيبه بين أقرانه فقط.

كما أن المعلم لن يستفيد شيئاً وهو حقاً لا يفعل لأنه ينظر إلى الاختبارات كلها بنظرة سلبية وأنها مجرد فرصة لتصيد أخطائه من قبل المشرفين، أضف إلى ذلك أنه أخذ يرقب بداية الإجازة وبخاصة أنه قد ملّ العمل طوال العام- وبدأ في حزم حقائبه ورتب أوراقه لقضاء إجازته، على عكس ما لو كانت هذه المتابعة لعمله أثناء العام الدراسي لربما كان ذلك أجدى،بل هو أجدى بلا شك.

وقل مثل ذلك في إدارة المدرسة التي لا تخلو من حالتين إما أن تكون إدارة حازمة ومتمكنة تعتبر هذه الرقابة نوعاً من الإهانة، أو إدارة ضعيفة تحاول التستر على أخطائها وتسويغها والالتفاف على الأنظمة وعلى المراقبين ويصبح حالهم مع المراقبين الخارجيين كحال الطالب مع الملاحظ . وكنت كتبت قبل أيام مقالا بعنوان (طلابنا يقولون من غش فهو منا) وذكرت فيه جانبا من شيوع خلق غير سوي بين طلابنا ينبذ الأمانة ويسعى للخيانة ويحرص على الغش ويترك الجد والاجتهاد مما تبنى معه شخصية هشة تميل إلى الفساد في حياتها المستقبلية. وأخشى أن مثل هذا السلوك يمتد لأبعد من ذلك حينما يصبح طلابنا معلمين وإداريين في المدارس.

وكلي رجاء أن يعاد صياغة هذا الاستنفار وتلك الجهود الضخمة لتبذل في بداية العام الدراسي وأثناءه بشكل مدروس بما يعود على طلابنا ومعلمينا بالفائدة الحقيقية ويكون قياس المهارات التي يحصلونها خلال دراستهم بشكل متوازن ويجدون تغذية راجعة فورية ليتمكنوا بها من تحسين أدائهم ، أما ما يحصل الآن من قياس لمهاراتهم وقدراتهم فهي مجرد مسألة شكلية أشبه ما تكون بمسرحية هزلية لا نمل من تكرارها كل عام .

وكثير من الخبراء التربويين يقولون أنها بهذا الشكل تضر بتعليمنا أكثر مما تفيده. وقد أعجبني تشبيه أحد التربويين لما تقوم به إدارات التربية والتعليم والوزارة من إهمال طوال العام لتصحو أيام الاختبارات وتستنفر جميع طاقاتها حينما شبهها بطباخ وضع طبخته في قدر وخلط فيه جميع المكونات في وقت واحد ثم تركه على النار وأخذ يتسلى بالحديث مع فلان وفلان ويبحث عن ما يقضي فيه وقته حتى فاحت رائحة حريق من طبخته فأخذ يصيح ويولول وجمع كل مساعديه ومن حوله لينقذ طبخته لكن مع الأسف بعدما احترق جزء كبير منها.

فهل تتحرك وزارتنا وتلتفت لعملية القياس والتقويم وتطورها بما يعود على التعليم بالفائدة أم أنها ستنتظر حتى تحترق الطبخة. اللهم يسرنا للحق ويسر الحق لنا وجميع المسلمين.

الأكثر قراءة