الاقتناع المسبق بتفشي الفساد

الفساد المالي والغش والتلاعب ظاهرة عالمية، وتسعى الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الإعلام، لفضح الحالات والمطالبة بتطبيق الجزاءات المدنية والجنائية على مرتكبيها، فهناك على مر التاريخ وفي كل بقاع العالم أفراد وجهات إصلاحية وأخرى فاسدة تتصارع فيما بينها، ولم تستطع أي جهة عامة أو خاصة حول العالم أن تسد جميع الفجوات في أنظمتها لمنع حالات الغش والفساد والتلاعب، بل انصب كل جهدها على وضع التشريعات والأنظمة الرقابية لمحاولة تقليل احتمال وقوعها، ولن تصل دولة أو منظمة أو شركة إلى مرحلة الادعاء بمنع الغش والفساد والتلاعب نهائيا، ودليلنا الفضائح المالية عبر التاريخ البعيد والقريب.
لكن الأمر أكثر تعقيدا في دول العالم الثالث، حيث تواجه المجتمعات تحديا من نوع آخر، ليس في الفساد المالي بذاته، ولكن تطبيع ظاهرة انتشار الفساد في أذهان العامة والخاصة، مما يؤدي بصورة مباشرة إلى الحكم المسبق من المجتمع أفرادا ومؤسسات على ارتباط ترسية وتنفيذ المشاريع بالفساد سواء كان هذا الحكم صحيحا أو خاطئا ويصعب مهما حاولنا إزالة هذا المفهوم من أذهان العامة والخاصة.
لعل الوسيلة العملية لإزالة مثل هذه التصورات تكمن أولا في تفعيل الأنظمة وتنفيذ أحكامها بكل دقة ومصداقية، وتقوية أنظمة الرقابة الداخلية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وتعديل أنظمة حسابات الحكومات لكي تعطي معلومات دقيقة وعادلة لمتخذي القرار، وكذلك ترسيخ مفهوم الإفصاح والشفافية. ولعل تشجيع النماذج الخيرة، وهي والحمد لله كثر، إحدى وسائل إزالة هذا المفهوم. إن ديننا الحنيف المحرم للفساد بأشكاله كافة صمام الأمان الأول، وعلى علمائنا الأجلاء دور مهم في توضيح موقف شرع الله بكل صراحة وشفافية.
والله أعلم،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي