Author

الخلاف والاختلاف في صناعة المصرفية الإسلامية

|
من المعلوم أن الخلاف المنضبط بآداب الخلاف محمود، فقد خلق الله الناس عليه، قال تعالى: ''وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا مَنْ رَحِمَ رَبكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ'' هود. ففي الخلاف تلاقح الأفكار وبلورتها التي تؤدي إلى التطوير والنماء وعدم الجمود على أشكال وقوالب محددة؛ فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. وعلى الضد من ذلك الاختلاف الذي يؤدي إلى التعصب والتشدد في الآراء والنزاع والتفرق والهدم وعدم البناء والتطور ولهذا حذرنا الله منه قال تعالى: ''وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ'' الأنفال آية 46. وفي حياتنا العامة نجد دائما ظاهرة الخلاف والاختلاف، فمن الطبيعي أن يكون هناك خلاف، خاصة في صناعة المصرفية الإسلامية، لكن من غير الطبيعي أن يكون الاختلاف، فالنقد الذي يوجه إلى صناعة المصرفية الإسلامية في المقالات الصحافية وفي المقابلات التلفزيونية، بل في المؤتمرات والندوات من المعلوم بأنه حق للجميع، خاصة أنه يتعلق بأمر قد جُبِل الناس على حبه ألا وهو المال، بل أكثر من هذا دخول شيء مقدس عند الجميع، وهو الإسلام جعل الجميع يتكلم عن المصرفية الإسلامية سواء بعلم أو بغير علم، بفهم أو عدم فهم، حتى اختلط الصواب مع الخطأ وصار النقد ليس فقط لتطبيقات المصرفية الإسلامية، بل تعداه إلى نسف المصرفية الإسلامية جملة وتفصيلا، وأصبح لسان حال البعض إما أن تكون معي، وإما أن تكون ضدي بطريقة لا توصلنا في النهاية إلى الطريق الصحيح، فما من شك أن المصرفية الإسلامية يعتريها النقص والخطأ لسبب بسيط أنها تقوم على اجتهادات بشرية قد تصيب وقد تخطئ؛ فالعلماء الذين يجيزون معاملات المصرفية الإسلامية مجتهدون، وعلينا أن نناقشهم في اجتهادهم بشكل علمي بهدف الوصول إلى كبد الحقيقة وليس الدخول مثلا في النوايا وما في القلوب، كما أن المصرفية الإسلامية تعمل في الأموال، وعند الحديث عن المال تضعف كثير من النفوس وقد يحاول البعض بسبب حب المال تطبيق منتجات إسلامية بطريقة مخالفة للشريعة، أو استغلال الدين وحب الناس له بذبحهم بطريقة إسلامية عندها يجب أن تكون المطالبة بوضع التشريعات اللازمة لمنع الممارسات الخاطئه عند التعامل مع منتجات المصرفية الإسلامية، ويجب إبلاغ الهيئة الشرعية للمؤسسة المالية بمثل هذه التصرفات، كما يجب الامتناع عن التعامل في المنتجات المطبقة بطريقة غير الشرعية ومخاطبة الجهة المعنية بذلك والنقد لمثل هذه الممارسات بقصد الإصلاح والتطوير لصناعة المصرفية الإسلامية وليس النقد لذات النقد. لقد أبرزنا للعالم المصرفية الإسلامية، وهذا حق نفتخر به نحن المسلمين؛ فأصبح العالم يتسامع بها، بل صار يطبقها واقعا ملموسا يشاهده الجميع، وبدأنا نرى التشريعات والأنظمة التي تسمح بتطبيق المصرفية الإسلامية في بعض الدول غير الإسلامية، بل أصبحنا نرى بعض الجامعات الغربية تدرّس المصرفية الإسلامية، فقد أعجب الغرب بالنظام المصرفي الإسلامي وما يحتويه من تشريعات تحقق العدل وتجلب النماء وتؤدي إلى استقرار النظام المالي. لقد بكينا عندما ذهبت علوم المسلمين في الطب والفلك والهندسة وغيرها من العلوم إلى الغرب وبدأوا يطورونها حتى أصبحوا قادة، والآن أخذوا منا علما جديدا وبدأوا يطورونه، ألا وهو المصرفية الإسلامية، حتى بدأ بعض أبنائنا المبتعثين يدرسون علم المصرفية الإسلامية في الجامعات الغربية على معلمين بعضهم من بلادهم، وبدأ تجار المسلمين يستثمرون أموالهم في بلاد الغرب بطريقة إسلامية، ومع هذا بدأ بعض النقاد من المسلمين في التشكيك بانهزامية واضحة ويتساءلون: هل فعلا توجد ما يسمى مصرفية إسلامية؟!
إنشرها