النفط فوق المياه السودانية المضطربة

يصوت مواطنو جنوب السودان بعد غد الأحد «التاسع من كانون الثاني (يناير)» في استفتاء لتقرير ما إذا كانوا سينفصلون عن الشمال، أم لا. وسيحرم استقلال جنوب السودان حكومة الخرطوم من مصدر رزقها الرئيس المتمثل في نحو 500 ألف برميل من النفط يومياً. ونظراً لأن معظم نفط البلاد في الجنوب، فإن هذا الأمر يثير السؤال حول كيفية بقاء الشمال دون مليارات الدولارات التي تجلبها عوائد النفط سنوياً.
تتخوف إدارة أوباما من أن تتحرك الحكومة عسكرياً للمحافظة على السيطرة على حقول النفط، وما يثيره ذلك من احتمالات العودة إلى الحرب الأهلية التي انتهت عام 2005. غير أن الواقع أشد تعقيداً من ذلك. ويمكن أن يؤدي النفط إلى الحرب، ولكن فرضيتين تدعمان فكرة احتمال مواجهة مباشرة: تمتع جنوب السودان بثروة نفطية ضخمة، وكون الشمال لا شيء دون النفط.
إذا اختار جنوب السودان الانفصال، فإن حفل النفط بعد الاستقلال قد يكون قصير العمر. وعلى الرغم من أن وزير النفط، لوال دنج، يتوقع أن يزداد الإنتاج إلى 650 ألف برميل يومياً في العام المقبل، فإن مثل هذه التوقعات المتفائلة لديها تاريخ طويل من الفشل في السودان.
تفيد تقديرات وزارة النفط أن إنتاج النفط على نطاق تجاري في السودان يمكن أن يستمر لعقد واحد من الزمن، كما يعتقد صندوق النقد الدولي أن مستوى الإنتاج سيبدأ في التراجع اعتباراً من 2012 – 2013. ويمكن لذلك أن يكون له أثر ضخم في قابلية استمرار جنوب سوداني مستقل، وذلك لأن النفط يشكل 98 في المائة من العوائد الحكومية، كما أن احتياطياته ستتراجع على نحو خطير خلال فترة قريبة. وبالتالي فإن مستقبل الجنوب الخالي تقريباً من البنية التحتية كئيب. وهكذا فإن الضحكة الأخيرة قد تكون من نصيب الخرطوم إذا انفصل الجنوب.
كان السودان راكعاً على ركبتيه اقتصادياً حين تسلم الإسلاميون زمام السلطة عام 1989. وكان هنالك نقص في الغذاء، والوقود، حتى في العاصمة نفسها. وأدى برنامج تعاف لا يرحم إلى كسر ظهر النقابات العمالية القوية، ولكنه استطاع تحقيق استقرار التضخم، وحال دون انهيار الوضع كما يحدث في الصومال.
وأدت إلى هذا التحسن الكبير سياسات اقتصادية أقل تشدداً، إضافة إلى صادرات النفط. ووجد البنك الدولي أن الاقتصاد السوداني نما بخمسة أضعاف في الفترة من 1999 – 2008، حيث ساعد النفط على توسع كبير في البنى التحتية المادية، والاجتماعية، بما في ذلك مضاعفة طول شبكة الطرق في البلاد، وكذلك مضاعفة توليد الكهرباء. وازدادت كذلك، على نحو ملحوظ، نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية. وكانت هذه إنجازات كبيرة، لا سيما في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة منذ فترة طويلة، وكذلك ضخامة حجم ديون البلاد. ومكنت تلك الإنجازات حزب المؤتمر الوطني الحاكم من إنشاء شبكات دعم كبرى له في مناطق السودان الشمالية.
لم يكن النمو الاقتصادي في السودان متساوياً في كل الأقاليم، حيث ظلت أقاليم سودانية تعاني الفقر الشديد، وتحرم حتى من الخدمات الأساسية. غير أنه لا بد من الاعتراف بأن بعض المناطق الشمالية لم تشهد قبل أي فترة أفضل من حيث النمو الاقتصادي، وبالتالي ازداد ولاؤها للنظام بقوة.
لقد كان النفط عاملاً حاسماً في ذلك النجاح، غير أن الخرطوم كانت تعرف أنه سيستنزف، وبالتالي فقد أعدت لحقبة ما بعد النفط. وتأمل الخرطوم في اجتذاب أكثر من مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في العام المقبل للاستثمار في مشاريع زراعية في حوض النيل. وتصب الكويت، والسعودية، والأردن، القلقة من نقص الإمدادات الغذائية، الأموال في شمال السودان، كما أن من المنتظر أن تلعب الصين دوراً بارزاً في المستقبل الزراعي للسودان، حيث تعمل الشركات الصينية على التوسع في استثماراتها الزراعية.

إعادة التعديل الاقتصادي
إن كل ما سبق يعتبر من المكونات الرئيسة لتعديل مسار الاقتصاد السوداني، حيث إن من شأنها الصمود أمام انفصال محتمل للجنوب عن الشمال. ويعود الشماليون إلى أصول نموهم الاقتصادي بالتركيز بصفة خاصة على مشاريع القطاع الزراعي، حيث تتركز المساحات الزراعية التي تتلقى جانباً مهماً من الاستثمارات، والتطوير. وتعمل الشراكات مع الصين، ودول الخليج، ونخب متميزة في إنشاء المشاريع، على دعم هيمنة الحزب الحاكم، وتعزيز التنمية في المناطق الشمالية.
إن دور النفط ليس كما يبدو عليه. وتحب الخرطوم تسلم الدولارات، وستشعر بأزمة عملات أجنبية بينما تختفي عوائد النفط. ولهذه الأمور مضامينها العميقة بخصوص التدخلات الدولية للمحافظة على السلام في البلاد.
إذا كان من الأمور الحيوية ضرورة احترام حق جنوب السودان في تقرير مصيره، فإن من الحيوي كذلك أن يتبنى المجتمع الدولي موقفاً طويل الأجل إزاء دعم التنمية، والحوكمة في السودان. وعلى هذا المجتمع في الأجل القصير أن يدعم تقاسم عوائد النفط بين الخرطوم، وجوبا، والأقاليم المنتجة للنفط. وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، فإن من شأن تقاسم النفط المساعدة على الحد من التوتر، وتشجيع حزب المؤتمر الوطني، وحركة التحرير الشعبي، على استمرار الحوار، وتقديم الحلول الوسط.
أما في الأجل الطويل، فيتمثل التحدي في المساعدة على دعم مستقبل البلاد بعد النفط. وهناك حاجة ماسة في الجنوب إلى تنمية مستدامة شاملة، وحوكمة رشيدة، لتجنب لعنة الموارد الطبيعية كما هي الحال في نيجيريا. وأما في الشمال، فيتضمن ذلك دعم إحياء الزراعة، وضمان توزيع عادل للثروات بين مختلف فئات المجتمع.
إن ثروات السودان النفطية مهمة، ويمكن أن تشعل المزيد من الصراع، ولكنها محدودة تماماً من حيث العمر، ويمكن استخدامها إيجابياً من أجل دعم السلام.

المزيد من مقالات الرأي