لنُدخل التقنية في مدارسنا (2 من 2)

في مقالات سابقة في هذه الصحيفة، كتبت عن مدى أهمية التطوير المستمر للتعليم، حسب تطور الحياة، وحسب معطيات الواقع المعاش، وأوردت أمثلة لبلدان نهضت من كبواتها وأزماتها، وأصبحت من الدول التي تقود اقتصاديات العالم.
يعتبر التعليم أهم قطاع تنموي لأي بلد، ولا غرابة أن نرى كثيرا من زعماء العالم يجعلون الإصلاح التعليمي في بلدانهم أول أولوياتهم، وخاصة في خضم التنافس الحضاري والاقتصادي في عصر ما يعرف بالعولمة، والكل يدرك أن لا تفوق ولا تقدم دون وجود عقول مفكرة وأيدٍ ماهرة، وهذا لن يتأتى في ظل تعليم جامد، وطرق تدريس تقليدية، ولا بد من إعداد تلك العقول والأيدي الإعداد الصحيح. وقد أتى عن أحد المفكرين الأمريكيين قوله: ''ماذا يجعلنا نختلف عن بقية دول العالم الأخرى، فالمواد الخام التي لدينا لديهم، وهم لا يقلون عنا طموحا، إنما ما يفرقنا عنهم هو الإنسان الماهر''. إذاً هو الإنسان، سر النجاح، ودون تعليم، وإعداد ذلك الإنسان الإعداد الصحيح، لن نحصل على إنسان مفكر، ولن نحصل على يد ماهرة.
ومن هذا المنطلق – إدراك أهمية التعليم – أولت القيادة الرشيدة في هذا البلد أهمية قصوى لتطوير التعليم، ودعمه الدعم المادي والمعنوي، ويأتي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على رأس الداعمين، فمنذ كان وليا للعهد، كان للتعليم نصيب الأسد من اهتماماته، وما مشروع ''وطني'' و''تأهيل'' إلا دليل على اهتمامات ولي أمرنا، بهذا الحقل.
ولو نظرنا إلى الدول المتقدمة، الممسكة بزمام اقتصاديات العالم، لرأينا مدى دعمهم للتعليم، واهتمامهم بتطويره، والتغيير المستمر في المناهج وطرق التدريس، حسب إيقاع سير الحياة والتطور الحاصل في العالم. فعلى سبيل المثال دولة مثل أمريكا تتربع على عرش القيادة العالمية، اقتصاديا وعسكريا وصناعيا وعلميا وتقنيا وسياسيا، يصحو شعبها في صبيحة أحد أيام عام 1983 على صرخة ''الأمة في خطر''، التي تنذر بتخلف التعليم، وعدم تماشيه مع سير التطور الحاصل في العالم (خاصة من قبل اليابان والاتحاد الأوروبي)، والمطالبة بالإصلاح التعليمي. فإذا كان هذا شأن دولة تتربع على القمة، ولم يمنعها تقدمها من دق ناقوس الخطر، والتنبه لما يحصل على أرض الواقع، وتدعو لإصلاح التعليم، ليتماشى مع ذلك الواقع، فما عسى أن نقول عن دول العالم النامي.
لقد كان لتقنية الاتصالات والمعلومات النصيب الأوفر في تطوير التعليم؛ لما لها من فوائد عظيمة، فتواجد هذه التقنية في الفصل الدراسي، وفي المعمل، وفي المكتبة والإدارة والبيت، أتاح للطالب الاعتمادية على النفس، فأصبح بمقدور الطالب البحث عن المعلومة أينما كانت – باستخدام الإنترنت – ثم تحليل تلك المعلومة، وتوظيفها حسب المشروع أو المعضلة المراد حلها، ثم عرض المخرجات العرض الشيق (نص، رسوم بيانية، صور، فيديو، صوت، أو بجميع أو بعض هذه التقنيات). أما المدرس فقد أتاحت له التقنية سهولة إعداد الخطط التنفيذية والإشرافية الحرفية الناجحة، كذلك مكَّنت المدرس من إعداد برامج التقييم والمتابعة للطلاب. إلا أن ما هو أهم من هذا كله هو استخدام التقنية في تطوير المناهج وطرق التدريس.
وكما أسلفا فقد فطنت الدولة - رعاها الله - لأهمية التعليم وأن لا نهضة ولا نمو دون الاعتناء بهذا المرفق الحيوي، كما أن لا تطوير للتعليم في معزل عن تقنية الاتصالات والمعلومات؛ لهذا أولى خادم الحرمين الشريفين هذا الشأن اهتماما كبيرا، فقد رعى – حفظه الله – منذ نحو عشر سنوات مشروعا طموحا وجبارا، اعتبره المحللون والخبراء، من أهم وأبرز مشاريع التعليم العملاقة في هذا البلد، ذلك المشروع هو مشروع عبد الله بن عبد العزيز وأبنائه الطلبة للحاسب الآلي ''وطني''، الذي يستهدف التعليم العام بنين وبنات. ويهدف المشروع الذي تشرف عليه وزارة التربية والتعليم (المعارف سابقا) إلى إدخال الحاسب الآلي في مدارس التعليم العام (بنين وبنات)، وقد جاء في تقرير لصحيفة ''الجزيرة'' العدد 10256 بتاريخ 10/11/1421هـ ''مع اكتمال المرحلة التنفيذية لمشروع وطني سيتم توفير حاسب آلي لكل طالب وطالبة في المملكة مع إكمال ربط المدارس بالشبكة الوطنية وبناء شبكات محلية داخل كل مدرسة''، أما المستهدفون من ذلك المشروع، حسب المصدر نفسه، هم: 1) الطلاب: وذلك من خلال تمكينهم من الدخول على شبكة المشروع واستخدام المناهج الدراسية والكتب الإلكترونية، كما يتيح لهم سهولة الدخول من المنزل، ويتيح سهولة التواصل مع المدرس والإدارة. 2) أولياء الأمور: سيتيح المشروع لولي أمر الطالب (الطالبة) متابعة سجل ابنه أو ابنته وتلقي المعلومات من الإدارة المدرسية. 3) المعلمون: سيمكن المشروع المعلم من الاطلاع على المواقع التعليمية المختلفة والكتب الإلكترونية، والاطلاع على المناهج الموحدة، كما يمكنهم من تقديم المعلومات والتعليمات للطلاب ولأولياء أمورهم، ويمكّن المعلم من تقديم الواجبات المدرسية للطلاب والحصول عليها منهم إلكترونيا. 4) مسؤولو المؤسسات التعليمية وإدارات التعليم: يمكّن المشروع المسؤولين في هذه المؤسسات من تقديم المعلومات والبيانات والتعليمات للأطراف التابعة لهذه المؤسسات أو ذات العلاقة ( إدارات التعليم، المعلمين، الطلاب، أولياء الأمور)، كما يمكّنهم من تلقي المعلومات والبيانات التي يحتاجون إليها من تلك الأطراف. 6) مديرو المدارس والإداريون والمشرفون والتربيون: يمكّن المشروع الجميع من الاستفادة من الشبكة وتبادل المعلومات والبيانات وإعطاء التعليمات للأطراف ذات العلاقة. 7) المناهج المدرسية: ستكون المناهج على الشبكة على شكل وسائط متعددة، وبهذا تضمن المؤسسات التعليمية وصول المناهج للطلاب بشكل موحد ومتساوٍ، كما يمكن تقديم برامج تربوية وتعليمية للطلاب حسب فئاتهم العمرية ومقدرتهم العقلية مع الاستفادة من طرق العرض المختلفة والمشوقة مثل أفلام الكرتون وغيرها. كذلك سيمكّن المشروع المسؤولين عن التعليم من متابعة المعلمين فيما يخص المناهج وشرح المسائل المتعلقة بالمناهج مثل الأهداف والتداخل وغير ذلك، إضافة إلى المعلومات الخاصة بأولياء الأمور فيما يخص المناهج لتتضافر جهود المدرسة مع جهود البيت في سبيل رفع مستوى الطالب التعليمي والتربوي.
كان هذا أهم المستفيدين من مشروع وطني، وهناك مستفيدون آخرون مثل المهتمين بالتربية والتعليم، طلاب كليات المعلمين وطلبة الجامعات، الربط بالمواقع التعليمية، عقد المسابقات والندوات والتنافس بين المدارس، تقديم خدمة خاصة للطلاب السعوديين الدارسين في الخارج، البريد الإلكتروني، التخاطب الإلكتروني، نظام الإدارة المدرسية، معلومات المدارس، الموسوعات والمراجع. ومن أراد مزيدا من المعلومات فيمكنه الرجوع للمصدر المشار إليه أعلاه.
أما المشروع الحيوي الآخر بخصوص تطوير التعليم العام، فهو مشروع ''تأهيل'' الذي بدأ تقريبا في الفترة نفسها التي بدأ فيها مشروع ''وطني''، وهو مشروع تأهيلي تدريبي لمدة سنتين، لإعداد خريجي الثانوية العامة لوظائف المعلوماتية. ففي تصريح لوكيل وزارة المعارف للتطوير التربوي في ذلك الوقت، عقب توقيع اتفاقية تعاونية ومشاركة بين وزارة التربية والتعليم ــ المعارف سابقا ــ من جهة وأربع شركات من أكبر شركات المعلومات والاتصالات في العالم (مايكروسفت، سيسكو، معاهد هورايزون، شركة آي.بي.إم) لتنفيذ المشروع. ''صحيفة (الجزيرة)، 3/11/1421هـ''.
أما مخرجات المشروع - حسب المصدر نفسه - فهو تأهيل الطلبة في خمسة مسارات: 1) مسار التقنية المكتبية: وذلك بتأهيل الطلاب في الأعمال المكتبية، مثل معالجة النصوص، إعداد التقارير والعروض، إعداد الميزانيات وتبويبها، جدولة المهام ومتابعتها، وغير ذلك من المهام المكتبية، وكل ذلك باستخدام تقنية المعلومات. 2) مسار تطوير الأنظمة: الهدف من هذا المسار هو إكساب الطلاب المهارات الأساسية في تطوير الأنظمة التطبيقية، مثل استيعاب متطلبات البرمجة والتحليل. 3) مسار الإنترنت: يهدف إلى تزويد الطالب بالمعارف والمهارات الأساسية لتصميم مواقع الإنترنت. 4) مسار الشبكات الحاسوبية: تأهيل الطلاب بالمعرفة والتدريب على مكونات الشبكة، والحصول على المهارات اللازمة لتصميم وتنفيذ الشبكات الحاسوبية. وكذلك تهيئة أجهزة الشبكة، وتقديم الدعم الفني اللازم. 5) مسار صيانة أجهزة الحاسبات: يهدف هذا المسار إلى تزويد الطالب بالمهارات لإتقان تركيب وصيانة أجهزة الحاسبات ولواحقها. كما يهدف المسار إلى إعداد الطالب للقيام بتقديم الدعم الفني فيما يخص الحاسبات الشخصية (صيانة، وتحديث، ترقية ... إلخ).
يحصل المتخرج من هذا البرنامج على شهادة معتمدة من وزارة المعارف ومن الشركة المقدمة للمسار ومن جمعية الحاسبات السعودية.
هذان مشروعان طموحان، تنمويان، وحيويان، كانا تحت اهتمام ورعاية خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - منذ كان وليا للعهد، (منذ نحو عشر سنوات)، ولنا أن نتصور حال التعليم لدينا، في حال أن هذين المشروعين ''وطني'' و''تأهيل'' تم الانتهاء من تنفيذهما. بالطبع الصورة واضحة ولا تحتاج إلى تفتق للذهن لمعرفة تأثير هذين المشروعين الجبارين على مخرجات التعليم في حال تنفيذهما وتطبيقهما، ولو أن هذين المشروعين نُفّذا وطُبّقا على أرض الواقع، لكان التعليم لدينا يضاهي التعليم لدى الدول المتقدمة.
المادة لهذا المقال انتهت، إلا أن الكلام عن التقنية وما يمكن أن تقدمه للتعليم لم ينتهِ، وما هذه المشاركة المتواضعة إلا نقطة من بحر، آمل أن أكون قد أسهمت ولو بالشيء اليسير في الإشارة لما يمكن أن تؤديه تقنية الاتصالات والمعلومات لحقل يمس كل فرد وكل مرفق من مرافق الحياة في هذا المجتمع الطيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي