امتلاك سكن مناسب هَمٌّ يؤرق السعوديين

تشير بعض الدراسات إلى تدني نسبة تملك السعوديين للمنازل، وغني عن القول أن قضية امتلاك سكن ملائم باتت هما يؤرق العائلات السعودية التي تعاني كبد الإيجارات العالية التي تصل في بعض الأحيان لما يعادل 40 في المائة من دخل الأسرة، وكذلك القلق من تزايد وتيرة ارتفاع الإيجارات بسبب جشع بعض ملاك الوحدات السكنية واستغلالهم للظروف الراهنة، خصوصا في المدن الرئيسة. ويمكن تلخيص أهم أسباب المعوقات لامتلاك المسكن بربط ذلك بالحقائق التالية:
أولا، إن التخطيط العمراني من الأمانات والبلديات بخصوص حجم المسكن، من أهم العوامل المعيقة، خصوصا مع الارتفاعات الأخيرة في أسعار الأراضي، حيث تشترط الأمانات والبلديات عند بناء المساكن على نظام الفلل وحتى في حالة الصغيرة منها تخصيص ما يسمى بالارتدادات للمبنى، وهذا في حد ذاته مكلف وفيه إهدار لمساحات يمكن الاستفادة منها، حيث إن المساحة غير المستغلة على أقل تقدير قد تصل إلى نحو 30 في المائة من حجم الأرض، وإذا أخذ في الاعتبار الأسعار الحالية للأراضي فإن حجم المبلغ المهدر يعتبر كبيرا.
ثانيا، اشتراط اقتصار بناء الشقق السكنية على الشوارع التجارية فقط؛ ولذلك مثل هذا النمط من المساكن في الغالب لا يتيح خصوصية للسكان ويعرضهم للإزعاج من حركة السيارات، والمحال التجارية الموجودة في مثل هذا النوع من المباني. ولذلك فإن كثيرا من الراغبين في تملك أو استئجار الشقق السكنية لا يحبذون هذا النوع من المساكن.
ثالثا، محدودية خيارات التمويل المتاحة التي تتناسب وطبيعة القروض العقارية، حيث إن التمويل المستخدم لتمويل شراء المساكن والأراضي في الوقت الراهن هو في الواقع نمط التمويل المستخدم للقروض الاستهلاكية نفسه - استخدام الفائدة المركبة، ولا يعتمد هذا التمويل على نهج احتساب الفائدة على القرض المتناقص Amortized loan الذي يتناسب وطبيعة تمويل طويل الأجل كالتمويل العقاري. فعلى سبيل المثال، قرض بمبلغ مليون ريال باحتساب نمط الفائدة المركبة لمدة 30 عاما يكلف المقترض نحو 1350000 ريال فوائد، ولكن تمويلا مبنيا على نهج احتساب الفائدة على القرض المتناقص يكلف المقترض للمبلغ نفسه وللمدة نفسها نحو 824 ألف ريال فوائد.
رابعا، عامل آخر مهم، وهو الضعف في نمو وظائف جديدة للعمالة الوطنية في القطاعين العام والخاص، وعدم مواكبة نمو دخل الفرد مع الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة، مع تأكل قيم مدخرات الفرد المالية، مقارنة بما حدث من تسارع في وتيرة ارتفاعات أسعار الأراضي والوحدات السكنية، حيث إن أسعار الأراضي في بعض المواقع ارتفعت بما يوازي ثلاثة أضعاف في السنوات الثلاثة الماضية.
ودون شك، في ظل أزمة الإسكان الحالية والارتفاعات العالية في أسعار الأراضي أصبح تملُّك السكن لشريحة كبيرة من المواطنين صعبا، ولا يوجد حل سحري يمكن أن يؤدي إلى حل المشكلة القائمة وسد الفجوة بين العرض والطلب التي تتوقع بعض الدراسات أن تصل إلى نحو 360 ألف وحدة سكنية، وأن تنمو سنويا في حدود 120 إلى 265 ألف وحدة سكنية، ولعل وضع استراتيجية مدعومة بقرارات حكومية للسيطرة على وكبح جماح الارتفاعات الهائلة غير المبررة في أسعار الأراضي والوحدات السكنية باستخدام بعض الحلول، أن يؤدي الغرض في تحقيق الهدف المنشود، ومنها التالية:
أولا، تطوير وسط المدينة، تتميز المدن في جميع مناطق المملكة دون استثناء بإهمال المنطقة القديمة (وسط المدينة)، على الرغم من أهميتها، وفي جميع مدن العالم، يمثل وسط المدينة المركز التجاري والمنطقة الحيوية للمدينة إلا عندنا. فعلى سبيل المثال، وسط مدينة الرياض الذي قد تصل مساحته إلى أكثر من 400 كيلومترمربع، مهمل وغير مستغل بالكامل، على الرغم من أن البنية التحتية لهذه المنطقة من المدينة مكتملة (كهربا، ماء، الصرف الصحي، هاتف، مدارس... إلخ). إذن لماذا لا يتم إعادة تخطيط وتطوير وسط المدينة في المدن الرئيسة عن طريق استخدام نموذج تأسيس شراكة بين ملاك العقارات والمساهمين لتطوير وسط المدينة على غرار مشروع جبل عمر؟
ثانيا، أغلب المدن السعودية محاطة بقرى ومحافظات صغيرة قريبة مهيأة لتكون وجهة ملائمة لبرنامج منح الأراضي للمواطنين الذين لا يملكون مسكنا في المدينة؛ ولذلك فإن تطويرها وتهيئتها لتكون ضواحٍ للمدن يمكن أن يكون عاملا مهما لتشجيع الهجرة من المدن إليها؛ لأن المواصلات بينها حتى على المستوى اليومي سهلة وميسرة. وبالتالي فإن تطوير برنامج المنح في المناطق القريبة من المدن الرئيسة وتهيئة برنامج إقراضي له سيكون ذا جدوى لحل مشكلة الإسكان الحالية لعدد كبيٍر من الأسر ممن أصبح تملك مسكن بالنسبة لهم حلماً.
ثالثا، لماذا لا يسمح بالبناء بنظام تعدد الأدوار في الأحياء السكنية؟ فلعل السماح بالبناء بنموذج تعدد الأدوار في الأحياء السكنية أحد الحلول التي ستؤدي إلى إضافة مساحات كبيرة للمعروض من الأراضي وفي وقت قياسي دون تكلفة تتطلب تطوير البنية التحتية.
رابعاً، تتميز مدينة الرياض عن غيرها من مدن المملكة باقتصار البناء باستخدام نموذج الشقق على الشوارع التجارية فقط، فلماذا لا يسمح ببناء الشقق السكنية في غير الشوارع التجارية؟
ختاما، إن قضية امتلاك سكن تؤرق العائلات السعودية التي لا تمتلك سكنا مناسبا، خصوصا في المدن الرئيسة، وغني عن القول أن قضية توافر السكن الملائم للمواطنين تحظى باهتمام القيادة الرشيدة التي تسعى دائما لتقديم ما يصب في مصلحة المواطن وأمانه، ورفاهيته. ولكن، أزمة الإسكان الحالية، وتسارع وتيرة ارتفاعات أسعار الأراضي والوحدات السكنية الحالية تمثل تحديا يستوجب وضع استراتيجية تتمثل في استخدام بعض الوسائل غير التقليدية لحلها وتوفير وسائل وأدوات تتيح تملك السكن المناسب للمواطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي