Author

4.5 مليون وحدة سكنية كيف تتلاءم مع تعديلات الجهد الكهربائي؟

|
يعاني سكان المملكة انقطاع التيار الكهربائي، خصوصا في فترة الصيف، حيث ترتفع معدلات استهلاك الكهرباء مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. وازدادت معاناة السكان مع تعدد مرات انقطاع التيار الكهربائي، وشهدت فترة الامتحانات وشهر رمضان الماضي بالذات معاناة الكثير من الناس من انقطاع التيار الكهربائي. والغريب أن معضلة انقطاع التيار الكهرباء تزداد مع مرور الزمن، فالسنة الماضية أسوأ من التي قبلها وهذه السنة أسوأ من السنة الماضية، وكأنه لا يوجد حلول لانقطاع التيار الكهربائي، أو لا أثر للقائمين على قطاع الكهرباء. وانقطاع التيار الكهرباء هو نتيجة واضحة لسوء التخطيط وانخفاض الاستثمار في البنية الأساسية للكهرباء من شبكات توزيع ومحطات توليد. وتلجأ الشركة إلى الدعم الحكومي وإلى الاقتراض لبناء محطات توليد جديدة ولتحسين شبكات التوزيع. وقد صدر أخيرا قرار مجلس الوزراء بتغيير الجهد الكهربائي من 127/220 فولت إلى 230/400 فولت. وذلك بعد دراسة أشرف على تصميمها فريق من الخبراء المختصين من الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك وزارة الكهرباء والشركة السعودية للكهرباء وبعض الجامعات السعودية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه لماذا ذهبت الجهود والدراسات نحو تغيير الجهد الكهربائي؟ والذي لا أعتقد أنه بأهمية معاناة سكان المملكة من تراجع خدمات الكهرباء سواء بالانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، أو التأخر في إيصال الخدمات الكهربائية، أو عدم ثبات مستويات التيار والجهد الكهربائي، إضافة إلى عدد آخر من المعضلات التي لم يمكن سردها هنا. ومن الغريب أن الدراسة التي قامت بها جهات عدة لم تتطرق إلى تكاليف تغيير الجهد الكهربائي، وإنما ركزت على فوائد تغيير الجهد الكهربائي. وللحد من معارضة المواطنين لخطة تغيير الجهد الكهربائي ستتحمل شركة الكهرباء تكاليف تغيير الجهد الكهربائي، فمن أين لها بالمصادر المالية التي ستغطي التكاليف الناتجة من تغيير الجهد الكهربائي، وهل ستلجأ للاقتراض من أجل إجراء التعديلات اللازمة؟ ومن الغريب أيضا هذا الحشد الكبير من الجهات الداعمة لتغيير الجهد الكهربائي، التي أقنعت صانعي القرارات برجاحة التحول إلى جهد كهربائي جديد. والعجيب قبول شركة الكهرباء بهذا التحول الذي سيكلفها كثيرا مقابل فوائد يبدو الكثير منها ضئيلا وغير مقنع، فهل سترفع الشركة من تعرفة الكهرباء لتغطية هذه التكاليف أم ستستجدي مساعدة الدولة لتغطية هذه التكاليف؟ ومن قراءتي البسيطة للقرار يبدو أن هناك نوعا من الاستخفاف بتكاليف تغيير الجهد الكهربائي حتى من قبل القائمين على الدراسة، كما أن هناك تضخيما واضحا للفوائد من تغيير الجهد الكهربائي. ويوجد في المملكة أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون وحدة سكنية تحتاج بنيتها الأساسية الكهربائية إلى تعديلات لتتواءم مع الجهد الجديد، بما في ذلك عمليات التأريض وتغيير ألواح المفاتيح وإجراء تعديلات على التمديدات الكهربائية واستبدال بعض الأدوات والمعدات الكهربائية، كما أن هناك حاجة إلى استبدال الكثير من الأجهزة الكهربائية، خصوصا أجهزة وأنظمة التكييف، التي يفترض أن تعمل لأعوام مديدة. وقد حدد القرار فترة عشر سنوات يتم بعدها العمل على إجراء التعديلات اللازمة على الوحدات السكنية القائمة حاليا، فهل على المستهلكين إتلاف جميع أجهزتهم الكهربائية وشراء أجهزة جديدة خلال عشر سنوات لكي يتمكنوا من التكيف مع تغيير الجهد الكهربائي؟ وحتى لو تم مع الزمن تغيير كثير من الأجهزة إلى أجهزة عاملة بجهدين كهربائيين مختلفين ألن يتحمل المستهلك زيادة في تكاليف شراء أجهزة بجهدين؟ وهل هناك أجهزة تكييف تعمل بجهدين 220/400 فولت لكي يتم شراؤها أم سيعاني ملاك المنازل الجديدة من تأمين أجهزة جديدة؟ وهل ستقوم الشركة السعودية للكهرباء بكل التعديلات اللازمة على البنية الأساسية في المنازل أما سيتحمل ملاك المنازل الكثير من تكاليف التعديلات اللازمة لتغيير الجهد الكهربائي بدعاوى سوء البنية الأساسية في هذه المنازل والتي أعتقد بأنها كثيرة؟ وإضافة إلى الوحدات السكنية هناك الأماكن التجارية والصناعية والزراعية، التي سيكلف إعادة تأهيلها مبالغ كبيرة للتوافق مع تغيير الجهد الكهربائي. ولو تم التركيز فقط على التكلفة المترتبة على تغيير الجهد في الوحدات السكنية فقط، فإنها لن تقل في تقديري عن عشرة آلاف ريال للوحدة السكنية الواحدة. وفي حالة صحة هذا التقدير فإن تغيير الجهد الكهربائي سيكلف ما لا يقل عن 45 مليار ريال، وقد يصل أو يتجاوز 100 مليار ريال، إضافة إلى المجهود والمتاعب المصاحبة لتغيير الجهد الكهربائي. وفي محاولة لدعم قرار تغيير الجهد الكهربائي سردت الدراسة عددا من الفوائد، التي منها: كون الجهد الكهربائي 230/400 فولت أكثر أمانا من 127/220 فولت. ويبدو أن هناك تناقضا عند تفسير هذا الادعاء، حيث ذكر أن ازدواجية الجهد في 127/220 فولت تتسبب في الكثير من المخاطر، لكن ألا توجد ازدواجية أكبر في الجهد 230/400 فولت، الذي يهدد بإحداث أخطار أكبر. ومن الأسباب الأخرى التي سردت لدعم تغيير الجهد الكهربائي كون عددا كبيرا من دول العالم تستخدم الجهد الجديد. وهذا صحيح، لكنه لا يجبرنا على استخدام هذا الجهد، فهناك دول كبرى هي اليابان والولايات المتحدة والبرازيل تستخدم الجهد 100-120 فولت، فلماذا لم تعانِ مصانعها ومستهلكوها من استخدام هذا الجهد ويطالبوا بتغييره؟ ولم تفقد هذه الدول مزايا تصدير الأجهزة الكهربائية، بل على النقيض من ذلك فإنها تصنع أفضل الأجهزة الكهربائية في العالم. أما الادعاء بضرورة تغيير الجهد لكون دول مجلس التعاون تستخدم جهدا مختلفا عن المملكة فهذا ادعاء مردود عليه فليس علينا تغيير كل شيء؛ لأن دول المجلس تطبقه أو تستخدمه، والمملكة ليست مجبرة على استخدام الجهد السائد في هذه الدول، فالمملكة أكبر من باقي دول مجلس التعاون مجتمعة ويمكن استثناؤها من توحيد الجهد الكهربائي، كما استثنيت دول أخرى في المجلس من تطبيق عديد من الإجراءات. وأين ذهب مفاوضو المملكة عند إجراء المفاوضات لتوحيد الجهد الكهربائي في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ألا يفترض أن يدافعوا عن مصالح المملكة ويطالبوا بقبول وجود جهد كهربائي مختلف فيها؟.. أما الادعاء بأن هناك ميزة صناعية فلا أعتقد أنها مقبولة، حيث إن تكاليف إنتاج أي جهاز كهربائي لن تختلف باختلاف الجهد المستخدم. وتصدر الدول الصناعية الأجهزة الكهربائية حسب نوع الجهد المستخدم في الدول المستوردة وليس هناك تذمر في هذه الدول من استخدام الدول الأخرى لجهد كهربائي مختلف. صحيح أن قرارا صدر لتغيير الجهد الكهربائي، لكن ليس هناك ضرر من مراجعة هذا القرار والتأني في تطبيقه أو حتى التراجع عنه. وينبغي أيضا إجراء المزيد من الدراسات الجادة والمحايدة عن تكاليف ومنافع تطبيقه، خصوصا أن تطبيق هذا القرار سـيمسّ حياة جميع سكان المملكة، ويحملهم الكثير من التكاليف، ويحمل الاقتصاد الوطني مبالغ طائلة يمكن استثمارها في تنمية البنية الأساسية لقطاع الكهرباء وحل المعضلات التي يواجهها هذا القطاع في العقود القادمة.
إنشرها