Author

قياس العبادات بين النية والسلوك

|
تعتمد العديد من النظريات في العلوم الغربية على مبدأ إقرار النتائج عن طريق القياس فقط وتختلف الموازيين والمحكات والمقاييس المستخدمة للتعامل مع العلوم العلمية البحتة، فهناك تقدير الكتلة والكثافة والحجم والمساحة وغيرها من الموضوعات المادية الفيزيقية التي لا يمكن أن تكون صحيحة إلا عن طريق القياس، بل إن شدة الدقة تتطلب في بعض العلوم الأخرى تقدير نسبة الخطأ التي من المحتمل أن تكون في مسألة معينة، وذلك يعتبر أدق بكثير من التعامل مع العلوم الإنسانية التي لا يزال العلم فيها هلاميا إلى حد ما، ويأخذ طابع التقدير والتقريب وربط الأطراف للوصول إلى النتيجة عن طريق الاستنتاج، بل إن الجهد المبذول في التعامل مع العلوم النظرية البحتة يظل أصعب بكثير. إذ يكون المجهود المبذول من الشخص أكبر بكثير، حيث يتحمل الشخص هنا تقدير النتائج التي تحدث عنها عبر دراسته، وعلى الرغم من الجزء النظري الكبير في تلك العلوم، إلا أن توجهات عدة تنادي وتعمل على محاولة إدخال الجوانب التطبيقية من أجل المزج بين الجانب النظري والعملي في بعض الاجتهادات للتقليل من النتائج الخاطئة التي قد تكون بسبب تقدير الباحث في العلوم النظرية، والمهم من كل ذلك هو أن العلوم تتدرج، فكلما اقتربنا من النفس البشرية قلت نسبة التقدير والقياس العلمي الصرف والعكس من ذلك في قياس الأشياء الخارجية، ومنها سلوكيات البشر، وكل ما سبق من الممكن أن يتم تقديره إلى حد ما عدا شيء مهم جدا في الإنسان في كل أنحاء الأرض، وهو موضوع ''العبادة'' فلا أحد على وجه الإطلاق يستطيع أن يقدر أو يقيس مصير الإنسان في العبادات مهما اختلفت الأديان والملل، ويعتبر الدين الإسلامي أحد تلك الأديان وخاتمها من بين تلك التي مرت على البشرية عبر العصور المختلفة، وفي جميع الأحوال أنه مهما كانت السلوكيات الخارجية تدل على الانحراف أو الالتزام الديني، إلا أنه لا يوجد أي بشر يستطيع قياس علاقة الفرد بينه وبين ربه ولا يستطيع أن يحكم فرد على فرد بسبق دخول الجنة أو النار كما يحدث أحيانا حتى على مستوى الحياة اليومية البسيطة، ومهما كانت تلك السلوكيات الخارجية للفرد سلبا أو إيجابا فإنه في النهاية على الفرد نفسه العمل بالأسباب لبلوغ الغاية وهي الإخلاص في العبادة دون انحلال أو تطرف ولعل إخراج الزكاة هو ركن من أركان الإسلام التي يجب أن يؤديه المسلم بكل إخلاص، بينما لا يعتبره الآخرون أكثر من أداء للواجب بمعنى أنهم لا يبحثون فعليا عن مستحقيها الذين أمر الله أن تخرج لهم، بل والبعض الآخر ربما لا يفكر أصلا في إخراجها، في حين أنها بعد كونها فرضا إلهيا هي مسؤولية اجتماعية تجاه فئة معينة في المجتمع، وهناك فئة أخرى تخرج هيئة الزكاة كيفما شاءت، حيث يصر البعض على إخراج زكاة الفطر نقدا، بينما لا يجوز ذلك... وغيرها من الأمور الدينية الأساسية لا تقاس إطلاقا إلا بمحك داخلي لا يستطيع إلا أن يحكم به الفرد ذاته!!
إنشرها