المثقفون يتداركون مشاعر الوفاء والحزن في القصيبي

المثقفون يتداركون مشاعر الوفاء والحزن في القصيبي

في الوقت الذي كان البعض لا يجد كلمات كافية للتعبير عن حزنه لوفاة الأديب الكبير غازي القصيبي، تدارك بعض المثقفين شيئا من مشاعرهم المتلعثمة بين هيبة الفقد وحجم المفقود. بعضهم كتب عن قراءته الخاصة لشخصية غازي الإنسان، وبعضهم تلمس جوانب من تأثيره الفكري والإبداعي وتجاربه الإدارية والأدبية الرائدة، غير أن الجميع أجمعوا على الدعاء له، والبداية من تعليق وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة على موقعه في «الفيس بوك»، حيث قال: اليوم خسرنا فريقاً من الرجال اجتمعوا في رجل واحد هو غازي القصيبي: غازي الإنسان.. غازي الإداري.. غازي الدبلوماسي.. غازي الأديب. وداخل غازي الأديب خسرنا أكثر من أديب: غازي الشاعر.. غازي الكاتب.. غازي الروائي.. غازي الساخر.. إنا لله وإنا إليه راجعون».
الأديب والمفكر إبراهيم البليهي قال: «القصيبي أكبر من أن نشهد له وأعظم من أن نرثيه والمصاب به أفدح من أن يسمح لنا بالكلام عنه إنه رجل الفكر ورجل المواقف ورجل الشجاعة ورجل الصدق ورجل التنوير ورجل الأدب ورجل الإدارة إنه طاقة استثنائية إنه حزمة من المواهب فلو اجتمع الملايين لما سدوا مسده ولاقاموا مقامه فالكثرة لا تصنع القدرة إنه إنسان استثنائي في كل ما تعنيه الاستثنائية رحم الله غازي فالمصاب به فادح والألم لفقده فظيع».
في حين علق محمد رضا نصر الله وهو أحد المقربين للراحل الدكتور غازي القصيبي،وصفه بالرمز السعودي والعربي كبير، بقوله «هو شخصية متعددة المواهب والإبداعات والأنشطة، هو كتاب مفتوح ظل داعما لمواطنه السعودي والعربي في كل مكان سواء على الصعيد الإبداع الشعري الروائي أو على الصعيد ثقل التجارب التجارية والإدارية والنشاط السياسي الذي مارسه،ولعل كتابه الأخير « الوزير المرافق « شاهد على ما كنت أسميه ضعف الدكتور غازي أمام حاله الكتابة والإبداع .
ويضيف نصر الله الدكتور غازي عندما تمر به هذه الحالة لا يحيد عنها تستوقفه ويستوقفها ويحاول أن يفيء كل عناصر هذه اللحظة الشعرية أو الروائية أو التنموية أو السياسية، وقد سميت غازي القصيبي في يوم من الأيام بـ «الظاهرة» في أحد اللقاءات التلفزيونية معه،وهو بالفعل ظاهرة لأنه خرج من مكتبه ومن كتابه للناس والحياة.
وقال «الكل سوف يتحدث عن غازي الوزير وإنجازاته في وزارة الصناعة والكهرباء والصحة والعمل وكذلك إنتاجه الأدبي والشعري، ولكن هنالك حقيقة قد تكون غائبة عن الباحثين وهي أن غازي كان شاملا بكل معنى الكلمة،حيث كنت أسميه «الطفل الكبير» وبالفعل وهو يخطو نحو سن السبعين أحيانا يتصرف كصبي في براءته رغم العمق الفكري والتجربة السياسية والإدارية الكبيرة والعميقة التي مر بها.
هنالك أيضا من تستوقفه كيفية إدارة الوقت عند غازي القصيبي ، كثير من الناس يتساءلون كيف يوفق غازي بين مهامه العملية وإنتاجه الأدبي والشعري والروائي والسياسي. سيظل الدكتور غازي علما مرفرفا لوطنه والأجيال في سماء الإبداع والشعر والحرية والوطنية والإصلاح.
بدوره، قال الدكتور سعد عطية الغامدي: «حين التحقت بكلية التجارة طالبا كان غازي القصيبي يمثل أحد المعالم الرئيسة، كان عائدا للتو من دراسة الماجستير من جامعة جنوب كالفورنيا وشاهدته في إحدى المحاضرات يقوم بالترجمة فكان متألقا في العربية والإنجليزية بالقدر نفسه، ثم غاب قرابة السنتين لإكمال الدكتوراه قبل أن يعود عميدا لكلية التجارة، وكان وقتها شديد القرب من الطلاب يستجيب لمطالبهم واحتياجاتهم وأذكر في هذا الإطار تعامله مع مشكلة النقل حيث كانت الكلية بعيدة عن مدينة الرياض وكان من مقترحاته حينها أن يستخدم الطلاب الدراجات للوصول إلى الكلية، كما عرض أن يسهم جزئيا في حل المشكلة بسيارته الخاصة، عرفت فيه الإنسان والأكاديمي وصاحب المبادرات والشاعر، غازي يعتبر من رواد الأدب في مختلف فنونه بل إنه تبنى جيلا كاملا من الأدباء والمبدعين خلال العقود الماضية لدرجة أن صيته قد وصل إلى وسائل الإعلام العربية والعالمية ، كان حريصا على خدمة بلده، لقد ترك صورة رائعة عنه في كل مناصبه التي تولاها ، وكان قريبا من الناس يلتقيهم في مجلسه ويستمع إليهم فقد كان رائدا في الأكاديمية و الأدب والقيادة والإنجاز».
وأضاف «في أثناء دراستي في الكلية صدر له ديوان بعنوان «معركة بلا راية» تعرض لموجة من الانتقاد فكتبت قصائد من شعر التفعيلة كأنني أشير إلى ما في الديوان.. في شيء من التعريض، وقرأت على الدكتور في مكتبه بعضها، وكان عميداً للكلية، فلقيت منه تشجيعاً وترحيباً.. وسألني: لِمَ لا تنشر شعرك؟ فقلت: إن القصيدة عندي تنتهي وظيفتها بكتابتها، أما النشر فلا يعني لي الكثير. فقال: هذه أنانية. كان في اللقاء إنساناً رائعاً.. فازداد إعجابي به».
من جانبه يقول الروائي صلاح القرشي : رحم الله الرجل الكبير غازي القصيبي فقد كان رجالا في رجل، ونحتاج إلى الكثير من الصفحات للحديث عن غازي الأديب شاعرا وروائيا ونحتاج إلى الكثير للحديث عن تجربة الرجل الإدارية فهو واحد من رجال التنمية الكبار ونحتاج إلى الكثير للحديث عن مواقف الرجل وأحلامه وطموحاته ..شخصيا قرأت غازي القصيبي في عمر مبكر وتأثرت كثيرا بالرجل شاعر وناثرا وأنسانا .وتحول إلى صديق حقيقي كأنني أعرفه بشكل شخصي من خلال ما قرأت له وقد قلت في مقال عن الرجل، الكاتب الذي يتحوّل إلى صديق هو ذلك الذي تشعر أنك تعرفه من خلال ما يكتب..والقصيبي من هؤلاء الأصدقاء ..الأصدقاء الذي شكّلوا الكثير من الوعي بالحياة والحب والجمال والأهم الوعي بالإنسان في حالاته المتناقضة.
الكاتب المؤثر هو ذلك الذي لا يتوقّف عن أخذك معه إلى مكامن الجمال والمعرفة والقصيبي ربما يكون على المستوى المحلي هو أكبر المؤثرين والمهمين ثقافيًّا.ولو تحدثنا عن غازي القصيبي المسؤول فإننا سنجد ذلك الرجل التنموي الممتلئ بالحماس والرغبة والإخلاص في رؤية بلده أجمل.. التكنوقراطي المؤمن بفكرة التدرج في التغيير نحو الأفضل والمؤمن بفكرة أن التنمية تأتي قبل كل المطالب الثورية التي يحبها الثوريون والمتهورون والأقل بصرًا وبصيرة.
المثقف الموسوعي والواعي بشكل كبير لحركة المجتمعات وتبدلاتها، المثقف الممتلئ بأحلام وطنية ربما اعتبرت في يوم من الأيام ضربًا من الجنون.أما القصيبي الروائي فكلي يقين مهما خالفني البعض بأن القصيبي هو من فتح الباب الموارب على مصراعيه للكثير من الحالمين بكتابة الرواية لكي يدخلوا معه بكل هدوء..قبله كانت الخشية تكبل البعض..وكان المجتمع المحافظ يكبل البعض..وكان الخوف من كتابة الحياة بكل ما فيها من صدق وزيف ومن خير وشر يخيف البعض الآخر..
في جانب آخر، يقول الشاعر والكاتب بصحيفة عكاظ خالد قماش: لم يكن الدكتور غازي القصيبي مجرد وزير عابر على الحقائب الوزارية التي تولاها، ولا مسؤولا بيروقراطيا يصدر الأوامر ويوقع الأوراق ويعتمد المشاريع ويستعرض بجولاته وصولاته الورقية! بل كان مواطنا قبل أن يكون وزيرا، وكان إنسانا قبل أن يكون مسؤولا .. كيف لا؟ وهو الشاعر الحقيقي بهموم مجتمعه، وهو الأديب الذي كتب في الشعر والسرد والسياسة والإدارة والحياة. وأضاف «لم يكن غازي القصيبي وزيرا للكهرباء ذات زمن مظلم فحسب، بل كان مضيئا بحضوره الأدبي والشعري في كل المحافل والملتقيات، تولى زمام وزارة الصحة ، فأنشئت المستشفيات الضخمة وافتتحت المجمعات الطبية بكافة تخصصاتها ، واستعادت البلاد عافيتها . كان سفيرا للحب والعشاق والنوارس البيضاء قبل أن يكون سفيرا لبلاده في البحرين ولندن .. تولى وزارة العمل وهو محفوف بالأمل .. رحل غازي القلوب، الرمز الوطني الحر، والوزير العربي المستقل
رحل عازي القصيبي وهو متمسكا بوزارة (الأمل).انا حززززيين على هااااامته الوطنية اكثررررر من الشعريهانا حززززيين على هااااامته الوطنية اكثررررر من الشعريهوهو من رواد محاربة الفساد ودهليز وزارة الصحة خيرشاهد على معركته التطهيرية /باختصار كان خير سفير للشعر وللحداثه في اروقة النظام الحكومي هذا رأيي والسلام عليه يوم ولد يوم نلقاه في فراديس الرب . الشاعر عبدالله الخشرمي من ناحيته يرى أن القصيبي يمثل فقدا وطنيا أكثر منه أدبياً، ويضيف «لقد أسس لحركة مستنيرة داخل المؤسسة الحكومية، فهدم صنمية البيروقراطية وكانت الوطنية المتجلية هي قصيدته الخالدة طوال فترة عمله الرسمي ومسيرته الإدارية الرائدة، هو من رواد محاربة الفساد والجميع يعرف معاركه التطهيرية في عدد من القطاعات، باختصار كان سفير الشعر والحداثة في أروقة النظام الحكومي، كان شاعرا رائع الموهبة لكنه كذلك كان الوطني بكل درجات الامتياز». في حين يعلق الناقد والإعلامي محمد عبدالله بودي غازي القصيبي نجم ملأ مشهدنا إبداعاً وشغل النقاد والجمهور، كان نبأ وفاة الأديب الدكتور غازي القصيبي - غفر الله له - صادماً لي حيث كنت أتابع أخباره وكنت أدعو الله له بالشفاء وأترقب خبر عودته وشفاءه لكنه القدر وعلينا الإيمان بقدر الله خيره وشره وعزاؤنا أن أبا سهيل قدم إلى جوار غفور رحيم في هذا الشهر الكريم بفقدنا للدكتور غازي القصيبي أفل نجم  من أعلام الشعر في عالمنا العربي، وكاتب روائي أضاف بقلمه للرواية السعودية مكانة متقدمة على مستوى الروائيين العرب إنه غازي القصيبى الذي ملأ مشهدنا الفكري والثقافي عطاءً وحراكاً وإبداعا.
وختم بودي قائلا «لم ندفن غازي  القصيبي رجل الدولة من الطراز الأول والشاعر والروائي بل سندفن رجل البر والإحسان وكافل الأيتام رحمك الله يا أبا سهيل رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وألهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان».
ومن الجزائر كتبت الشاعرة المعروفة حنين عمر شيئا من مشاعرها حيال هذا الفقد الجم فقالت «مات «غازي القصيبي»، هكذا ببساطة ثلاث كلمات تعتلي أول الجملة متبوعة باسم رجل مضيء عرفته ذات صيف شبيه جدا بهذا من خلال ديوان شعري كان ربما ينتظرني يومها ليجعلني ابتسم تلك الابتسامة الطفولية السعيدة وأنا أقرأ أول قصيدة منه، ومع أني لم أعرفه شخصيا أبدا إلا أنني بقيت معجبة باتساع إنسانيته وببساطة روحه وبصدق طيبته وبكل ما لمسته في مراياه الشعرية وبكل ما سمعته عنه في كواليس مسرح الأحاديث الأدبية السرية، واليوم... مات هذا الرجل إذن وترك الجنية وحيدة وحديقة الغروب حزينة وشقة الحرية مهجورة وجزائر اللؤلؤ بلا شعر وبلا لؤلؤ وبلا بحر...، هكذا رحل ببساطة الكلمات الحزينة الثلاث من عالمنا إلى عالم آخر...ولكنه بكل تأكيد لم يرحل من قلوب كل من أحبوه وأحبوا قصائده وكتاباته، وسيحيا طويلا في ذاكرتنا بابتسامة أبدية، سيحيا في متحف المحبة وسنبتسم له وسيبتسم لنا في صورته دائما وسنذكره كما قال تماما ...سنذكر «صبيّا عادَ مُـكتهلا ربلاً بعذابِ الكونِ .. مُشتملا/ أشعاره هطلتْ دمعاً /وكم رقصتْ على العيونِ / بُحيراتِ الهوى جَذلا «
الكاتبة مها فيصل بدورها تقول: مرهق هو الفقد, والفقد هنا ليس لإنسان عادي, ولكنه لرجل أثر كثيرا في شخصيتي و ألهمني الكثير من القراءات. رجل تمنى أن لا يعرفه الجميع سوى بأنه شاعر ولا شيء أكثر من ذلك. رجل تقلب في المهام والمسؤوليات ولم تخفت رقة حاشيته أو شفافية روحه بل زاده ذلك قربا من البسطاء و تواضعا يسلب قلوب الأعداء قبل الأصدقاء. اعذرني أيها الشاعر و لكن عزائي الوحيد أنك من قال «بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى وشكا... قلبي العناء ولكن تلك أقداري». إلى غفران ربك أيها الشاعر الشامخ..!

الأكثر قراءة