ارتفاع أصوات المكبرات في رمضان يعكس ثقافة المدينة العربية

ذكرت الجريدة في عدد الجمعة 25 شعبان أن وزارة الشؤون الإسلامية وجهت أئمة المساجد بعدم استعمال مكبرات الصوت الخارجية في صلاة التراويح والتهجد في شهر رمضان، لأن الغرض هو إسماع الصوت لمن بداخل المسجد فقط.
ونقلت الجريدة عن الشيخ محمد بن عثيمين ــ رحمه الله ــ أنه انتقد استعمال الناس المكبرات استعمالا سيئا، وأن رفعه على المنارة غير مشروع، لأنه وقوع فيما نهي عنه النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ حين خرج على أصحابه وهم يصلون، ويجهرون بالقراءة، فقال: ''كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن'', ولما فيه من الأذى.
الجريدة طلبت رأي القراء، وتوزعوا بين مؤيد لقرار الوزارة ومعارض له.
إبداء الرأي ليس بالقضية، لكني عجبت أشد العجب من فئة من كل من المعارضين أو المؤيدين, حين وصفوا الطرف الآخر باتهامات سيحاسبون عليها أمام علام الغيوب. هل شقوا عن قلوب الناس؟ هذا والله من العجب في النقاش، ويدل على تأصل رمي التهم جزافا وسوء الظن بالناس، وهذا من أسباب تخلفنا الاقتصادي وغير الاقتصادي بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ما رأي المعارضين في الفتوى المنقولة عن العلامة ابن عثيمين؟ هل يرون أنه انحاز للعلمانيين؟
لن أدخل في الحكم فلست مفتيا، لكني سأعرض للموضوع في صورته الاجتماعية، أقصد من حيث تعودنا رفع الأصوات في شؤون حياتنا، وهذا سلوك معروف لدى الجميع، لا ينكره إلا مكابر. لو سألت عما يميز المدينة العربية عن مدن أوروبا وشرق آسيا مثلا، لذكرت لك عدة فروقات من أهمها مظاهر الإزعاج والصخب وارتفاع الأصوات. الصخب وارتفاع الأصوات بين الناس علامة من علامات المدن العربية. والأمثلة والمظاهر كثيرة: حركة السير وأبواق السيارات و''سواليف'' الناس وأحاديثهم.
ذكرت دراسات أن معدل ضجيج السيارات وأبواقها في المدن العربية الكبيرة يراوح بين 80 و100 ديسيبل، فيما الحد الأقصى الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية هو 56 ديسيبل.
أشير هنا إلى ما أورد موقع منظمة التطوع العربي التالي:
http://www.arabvolunteering.org/corner/avt7088.html
جاء أن دراسة على مدى ستة أشهر من مجلة ''البيئة والتنمية''، كشفت عن تخطي الضجيج في المدن العربية الكبيرة الحد المسموح بأضعاف. راجع الدراسة الدكتورة إيمان نويهض، أســتاذ الصحة والسلامة المهـــنية في كلية العلوم الصحية في الجامــعة الأمريكية في بيروت.
من أكبر مصادر الإزعاج حركة السير، حيث يصنف بأنه مرتفع جدا في العالم العربي. أتذكر إبان دراستي في الغرب أنه تمر أسابيع وأسابيع دون أن أسمع بوق سيارة، أما عندنا فحدث ولا حرج.
قبل نحو عشر سنوات، أجرت الدكتورة سميرة قرفلي من الجامعة اللبنانية الأمريكية دراسة لتحديد تأثيرات الضجيج في منطقة بيروت الكبرى. وطلب من المشاركين في الاستطلاع تحديد أكثر مصادر الضجيج إزعاجا في محيطهم، فتبين أن على رأس هذه المصادر وسائل النقل المختلفة، تلت ذلك مولدات الكهرباء الخاصة، وأعمال الإنشاء. وأضيف إليها إطلاق الألعاب النارية في كل المناسبات.
وبينت قياسات أن ضجيج سيارة بسرعة 50 كيلو متراً في الساعة سجل 26 ديسيبل، وعندما زادت سرعتها إلى الضعف أي 100 كيلو متر في الساعة، ارتفع الضجيج إلى 47 ديسيبل، وبالتالي ارتفعت حدته أكثر من عشر مرات.
تتخذ دول كثيرة إجراءات حماية في المناطق السكنية, ففي فنلندا، مثلاً، وقبل إنشاء طرق جديدة، يتعين إجراء دراسة للتأكد من أن حركة المرور عليها لن تصدر ضجيجاً يزعج المناطق السكنية القريبة. وفي المقابل، لا يسمح بإقامة مناطق سكنية جديدة قبل التأكد من سلامتها من الضجيج. أما في الدول العربية عامة، فنفتقر إلى قوانين تردع المزعجين، ولا عجب فرفع الأصوات والإزعاج أضحى، كما يبدو، جزءا من حياتنا.
وفي دراسة أجراها عام 1997 الدكتور علي بن سالم عمر باهمام، من كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود، جاء أن النظام الشبكي المتبع في تقسيمات الأراضي يسهّل اختراق السيارات للأحياء السكنية، وبالتالي يزيد شدة الضوضاء بالقرب منها. ويتوقع أن مستوى الضوضاء في مدينة الرياض يتجاوز 80 ديسيبل، وهو رقم مرتفع، والسبب السيارات ووسائل النقل الأخرى.
تلعب العادات والتقاليد دوراً في التلوث الضوضائي، فالناس عامة يتحدثون بأصوات عالية ويشغلون أجهزة التلفزيون والراديو بمستويات عالية. لقد سأل أحد الخبراء الأجانب مرة هل العرب صم؟ لماذا يجب أن تكون كل الأصوات عالية.
إن الأصوات جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لكنها صارت في كثير من الأحيان مصدر إزعاج لنا، ومطلوب تأييد أي مسعى للحد من ارتفاع الأصوات، سواء كان مصدره الميكروفونات أو السيارات أو المسجلات أو غيرها، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي