هل انهار الطيران الاقتصادي الداخلي؟

وفق المعطيات الأخيرة المتوافرة فإن السماء السعودية لم تعد مسرحاً للطيران الاقتصادي بعد اليوم بالمعنى الحقيقي لمفهوم الطيران المخفض المعمول به عالمياً، وعادت هذه البلاد الواسعة، رغم ما تملكه من ميزة خاصة لشركات الطيران تحديداً، وهو "ترامي أطرافها" كما تعلمنا في حصص الجغرافيا ونحن صغار.. عادت إلى الخيارات الضيقة من جديد في أسلوب التنقل داخل وطن ممتدّة مساحته على 2,270,000كم² تقريبا، من قارة آسيا، ويسيطر على ثلاثة أخماس شبه الجزيرة العربية.
انسحبت شركتا الطيران الاقتصاديتان بهدوء من السوق الداخلية، حيث سجلت على مدى الشهور الماضية توقف معظم المحطات الداخلية بدءاً من جازان وأبها جنوباً، مروراً بالقصيم وحفر الباطن وسط، وانتهاء بتبوك ورفحاء شمالاً.. بحجة انعدام الجدوى الاقتصادية، التي توافرت بصورة براقة في المحطات الدولية من أسيوط وشرم الشيخ، بل حتى الخرطوم غرباً إلى بيروت وحلب شمالاً وانتهاء بمسقط وصلالة جنوباً.
لست بارعاً في العلوم الاقتصادية والمحاسبية، إلا أن المشهد يؤكد أن هذا النوع من الطيران يحقق نجاحات باهرة في دول بحجم العاصمة الرياض، وينتشر بالعشرات في دول أخرى بحجم المملكة أو أكبر بقليل كالهند والإمارات وأستراليا للتوضيح فقط.. كما أن الحلول لرفع الربحية وتحقيق ما رصدته دراسات الجدوى قبل تدشين رحلاتهما في 2005 ممكن، والدليل توسع محطات (فلاي دبي، والعربية، والسعيدة، والأردنية، والجزيرة وويست جيت، وآسيا أير) عاماً بعد عام، في داخل بلد الترخيص وخارجه.
والحل أيضاً هو فتح المجال الجوي السعودي لتلك الشركات التي تحلم بالحصول على رخصة "مدفوعة الثمن" لنقل ملايين المعتمرين والحجاج سنوياً بين المدينة وجدة وآلاف الركاب بين العاصمة الرياض وقلبها الاقتصادي المنطقة الشرقية، وكذلك بين سكان القريات في أقصى الحدود الشمالية والقاعدة العسكرية في خميس مشيط.. والقائمة تطول.
إن المتتبع لمسيرة عمر الطيران الاقتصادي الداخلي في المملكة والقصيرة يرى العشرات من أوجه الخلل التي بدأت مع انطلاقته، بدءاً من تحديد مفهومه وانتهاء بالصورة الذهنية التي صنعها مع بدء التشغيل، ومن ثم علاقته بالجهات الرسمية المعنية بالطيران المدني في المملكة ومع الناقل الوطني، ومن هنا فإن مراجعة كل تلك العناصر والوقوف عليها ومعالجتها بالطريقة الملائمة هو خيار آخر يمكن أن يبحث قبل الحديث عن الخيار الذي طرحته آنفاً، وهو تحرير أجوائنا الواسعة.
ليس من المعقول ولا من المنطق أن يكون الحل العودة إلى العهد السابق، وتعميق مشاكل التنقل في بلد لا يملك سكة حديد واحدة قادرة على القيام بنقل وربط سكان دولة يبلغ تعدادها، وفق المعطيات الأولية للتعداد الأخير التي لم تعلن، 32 مليون نسمة، وفي بلد يصنَّف اليوم ضمن أكبر 20 اقتصاداً في العالم، وأكبر مصدر للنفط على المعمورة.

المزيد من الرأي