Author

قانون احترام الآخرين.. منع التدخين في الأماكن العامة

|
من الآداب العامة التي هي جزء من القانون العام, مبدأ احترام حقوق الآخرين في الأماكن العامة، وذلك لارتباط تلك الحقوق بمبدأ الحرية والعدالة والمساواة أمام الأعباء العامة. ولذلك تحرص الدول كافة على سن القوانين والتشريعات التي تمنع الممارسات التي تعارض أو تقلل من هذا المبدأ، وقبل ذلك جاءت الشريعة الإسلامية بمنع الإضرار عامة، وإن كان التصرف في أصله مأذونا به ومباحا، لكن إذا ارتبط بحرية الغير وحقه يصبح الأمر عند ذلك تصرفا ممنوعا، لأنه أخل بمبدأ احترام الغير انطلاقاً من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «لا ضرر ولا ضرار», ومن أهم هذه التشريعات التي بدأ العالم العربي يهتم بها خلال الفترات الأخيرة ما يتعلق بمنع التدخين في الأماكن العامة. والغريب أن الدول الغربية التي تتسع فيها دائرة الحرية اتجهت إلى منع التدخين في الأماكن العامة، قبل الدول العربية والإسلامية, وجرمت هذا الفعل، وخصصت أماكن لهذه الممارسة، بينما نجد الدول العربية بدأت بالالتفات إلى مخاطر التدخين وضرورة تعزيز مكافحته من خلال إقرار عدد من التشريعات، لكن تطبيقها يبقى أمرا غير يسير. فمن بيروت إلى القاهرة مروراً بدمشق وعمّان والرياض، يبدو أن التدخين أمر لا يمكن تجاوزه بسهولة، سواء في المطارات أو المقاهي والمطاعم أو في المصارف والإدارات العامة، وصولاً إلى المستشفيات. لكن مصر التي تبدو «الشيشة» فيها أكثر تجذراً في المجتمع من دول أخرى في المنطقة، أعلنت الخميس ما قبل الماضي عزمها على تحويل الإسكندرية إلى مدينة خالية من التبغ، على أمل أن ينسحب هذا النموذج لاحقاً على سائر مناطق البلاد. وأظهر تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية والسلطات المصرية في كانون الثاني (يناير) أن نحو 40 في المائة من البالغين في مصر هم من المدخنين، و95 منهم يدخنون يومياً, كذلك أظهر أن ما لا يقل عن 70 في المائة من المصريين يتعرضون للتدخين السلبي. وفي الأشهر الأخيرة أقرت كل من الأردن وسورية والإمارات العربية المتحدة تشريعات مماثلة، ففي كانون الثاني (يناير) أصدر رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قانوناً يحظر التدخين في وسائل النقل المشترك وفي الأماكن العامة المغلقة. وعلى الرغم من أن قرار الحظر لا يطبق بشكل تام, بحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، إلا أن المباني الحكومية مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمسارح والمراكز الرياضية تتجه إلى حظر التدخين فيها بشكل كامل في المستقبل القريب، وكانت دبي قد بدأت عام 2007 بفرض منع التدخين في الأماكن العامة. وفي سورية حيث تبلغ نسبة المدخنين 60 في المائة بين الرجال و23 في المائة بين النساء، بدأ العمل في نيسان (أبريل) بقانون لمكافحة التدخين يعاقب منتهكوه بغرامات مالية تراوح بين 45 و870 دولاراً، وقد تصل العقوبة إلى السجن سنتين. وبحسب المؤسسة العامة للتبغ، فإن 8 في المائة من دخل المواطن السوري ينفق على التدخين. وفي مصر ينفق المدخنون 6 في المائة من دخولهم على التدخين، سواء السجائر أو الشيشة أو مضغ التبغ الذي بدأ ينتشر هناك أيضاً. في الأردن، حظرت السلطات منذ 25 أيار (مايو) التدخين في الأماكن العامة, وأكدت وزارة الصحة أن هذا القانون سيطبق بشكل صارم، وأن مفتشين سيقومون بزيارات مفاجئة للوزارات والأماكن العامة بغية التحقق من عدم انتهاك القرار. أما لبنان فيبدو متأخراً في هذا المجال عن غيره من دول المنطقة، ويزيد من انتشار التدخين فيه انخفاض أسعار السجائر، إذ يبلغ ثمن علبة السجائر الأمريكية مثلاً 1.45 دولار. وتدرس السلطات اللبنانية مشروع قانون لمكافحته. وأظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في عام 2005م أن 60 في المائة من اللبنانيين الذين تراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة يدخنون السجائر أو السيجار أو النارجيلة، وهي النسبة العليا بين دول الجوار. وحاولت بعض الحانات تخصيص أيام لغير المدخنين، إلا أن هذه المحاولات ما زالت خجولة. وفي العراق لا يوجد أي قانون لمكافحة التدخين، إلا أن وزارة الصحة سجلت خرقاً في هذا المجال, إذ أوعزت إلى حراس مستشفى ابن البيطار في بغداد بمصادرة علب السجائر من القادمين إليه. وأما في المملكة فتم إقرار منع التدخين في بعض الأماكن العامة كالمطارات والمستشفيات، وصدر قرار مجلس الوزراء الإثنين الماضي, إلا أن هذا القرار إن لم يحظ بالرقابة الفاعلة فلن يكون له نتيجة, لذلك تجد موظف المطار يدخن تحت لافتة ممنوع التدخين، وكأن الأمر لا يعنيه, وغير هذا كثير. وليس سراً انتشار آثار هذا المرض, فقد صرح مصدر في وحدة مكافحة التدخين في وزارة الصحة السعودية بأن المملكة تنفق 3.5 مليار ريال (مليار دولار) سنويا على علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين. والمطلوب من الجهات المعنية مراقبة هذا القانون والصرامة فيه حتى يقضى على هذه الظاهرة السيئة التي بدأت في الازدياد في أوساط الشباب والفتيات. إن تربية الناس على احترام القوانين مطلب شرعي قبل أن يكون مطلبا وطنيا, لكن لا بد من تفعيل دور الرقابة وتطبيق الغرامات حتى ينشأ جيل ترسخت عنده مبادئ احترام الغير بتطبيقه القوانين, وأن مخالفتها جريمة لا يستهان بها ويؤاخذ عليها في الدنيا والآخرة.
إنشرها