التطورات الاقتصادية العالمية وتوقعات النمو لعام 2010

قبل تفاقم أزمة الديون السيادية لليونان، وتأثيرها الواضح في اقتصادات منطقة اليورو، تعاقبت التقارير الاقتصادية الباعثة على التفاؤل بقوة انتعاش الاقتصاد العالمي وتوقعات تحقيق مستويات عالية من النمو من المؤسسات الدولية وغيرها. وكانت المؤشرات الاقتصادية الدالة على ذلك التحسن في النمو في جميع أنحاء العالم قوية، إضافة إلى تواصل ارتفاع وتيرة التخفيف من شروط التمويل، حيث ارتفع النمو في الربع الأول من عام 2010 في الولايات المتحدة بنحو 3.2 في المائة، وفي الصين تجاوز النمو الاقتصادي نسبة 11 في المائة, إضافة إلى أن توقعات النمو الاقتصادي في منطقة اليورو واليابان كانت قوية. وأدت تلك المؤشرات عن قوة انتعاش الاقتصاد العالمي إلى رفع توقعات نموه لعامي 2010 و2011م بنحو 4.2 و4.6 في المائة على التوالي. وتوقعات النمو لعام 2010 في الدول الصناعية بنحو 2.3 في المائة، وفي الاقتصادات الناشئة بنحو 6.3 في المائة، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنحو 4.5 في المائة. لكن سرعة تأثير تداعيات أزمة ديون اليونان السلبي في منطقة اليورو، وسرعة تأثر الأسواق المالية العالمية وانخفاض معظمها بنسب عالية أدتا إلى تدهور الثقة بانتعاش الاقتصاد العالمي وتزايد التوقعات السلبية لدخوله في موجة أخرى من الركود.
وعلى الرغم من اتفاق وزراء المالية للدول الأعضاء في منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي على الآلية الرئيسة التي من خلالها سيتم تقديم نحو تريليون دولار لبرنامج إنقاذ أعضاء منطقة اليورو الأكثر عرضة للخطر بما في ذلك برنامج إنقاذ لليونان، إلا أن الثقة لا تزال ضعيفة, حيث لم تتجاوب الأسواق المالية العالمية بصورة إيجابية مع ما تم تقديمه، ولا يزال التذبذب الحاد والنظرة المتشائمة سمة طاغية عليها. ربما يكون من الأسباب: قراءة الأسواق المالية بأن هنالك صعوبة في إمكانية تطبيق برامج التقشف المطلوبة في الميزانية العامة لتخفيض مستوى حجم الدين العام في اليونان وغيرها من دول منطقة اليورو، وكذلك استشعار الأسواق المالية مخاطر الديون السيادية في الدول الصناعية. قد لا يكون من المحتمل دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود ثانية، لكن لا أحد يستطيع أن يجزم بعدم إمكانية حدوث ذلك.
ويمكن تسليط الضوء على بعض المخاوف التي ربما تؤثر في النمو الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وهي كالتالي: أولاً، أهم المخاوف التي تكتنف مرحلة الانتعاش الحالية التي بدأت في البروز من جراء التعقيدات المصاحبة لأزمة مديونية اليونان هي التدهور الحاد في ثقة المستثمرين باستقرار المالية العامة لبعض الدول، التي يمكن أن تضعف تعافي النظام المالي فضلا عن الطلب الكلي بشكل عام. فقد زادت تكاليف الحماية ضد مخاطر حالات التخلف عن سداد الديون السيادية بشكل ملحوظ، وارتفعت الهوامش (على سبيل المثال، نسبة إلى السندات الألمانية) على السندات الحكومية اليونانية، والبرتغالية، والإسبانية. فعلى سبيل المثال، في آخر طرح للسندات في البرتغال ارتفع متوسط العائد إلى نحو 3.6 في المائة من نحو 1.7 في المائة قبل نحو شهرين, وتدهورت قيمة اليورو في فترة قصيرة إلى مستويات متدنية, حيث انخفض بنحو 20 في المائة منذ بدء تداعيات أزمة مديونية اليونان إلى ما دون 1.2 للدولار.
ثانياً، في حال تعرض المصارف التجارية لموجة من الخسائر بسبب حيازاتها من السندات الحكومية، ربما يؤدي ذلك إلى تشديد المصارف التجارية لشروط الإقراض من حيث السعر ومن حيث شروط الإقراض والرهونات المطلوبة. ويمكن القول إن بعض المؤسسات المالية في الاقتصادات المتقدمة، وبدرجات متفاوتة، انكشفت للسندات اليونانية والبرتغالية والإسبانية وغيرها من السندات الحكومية. إضافة إلى ذلك، إن أي إضعاف آخر للملاءة المالية للشركات وقطاع الأفراد ناشئ عن ضعف في آفاق اقتصادية سيؤدي لإجبار المصارف للحد من القروض التي تقدمها. ويمكن القول إن ارتفاع خسائر القروض سيؤدي إلى تشديد شروط الائتمان.
ثالثاً، ضعف إمكانية الحكومات ذات الديون والعجوزات المرتفعة في المالية العامة، خصوصاً في منطقة اليورو في تقديم الدعم المالي لإنقاذ المؤسسات المالية وغيرها في حال تكرار ما حدث بعد إعلان إفلاس بنك ليمان برذارز Leman Brothers، وتعرض بعض المؤسسات المالية لصعوبات مالية، مع اضطرار الحكومات من جراء ضغط الأسواق المالية ووكالات التصنيف الدولية لرفع درجة المخاطر على الديون الحكومية على تخفيض ديونها، والخروج من الاستراتيجيات المتعلقة بالميزانيات الموضوعة لإنقاذ القطاع الخاص.
وكنتيجة لذلك، على الحكومات البدء في خفض ديونها والعجز في ميزانيتها العامة في وقت مبكر. وسيؤدي ذلك إلى لجوء عدد متزايد من دول منطقة اليورو إلى خفض الإنفاق وزيادة الضرائب في حين لم يتعافَ القطاع الخاص بعد من الأزمة المالية، ونتيجة فرض التقشف الآن، سيكون الانتعاش بالنسبة للأسواق المالية أكثر صعوبة، وبالتالي سيكون من الصعب تصحيح العجز والديون الحكومية.
رابعاً، إن الانتعاش في سوق العمل والائتمان لا يزال بعيداً عن مستوى التوقعات، إضافة إلى تأثير تداعيات أزمة الديون في اليونان في منطقة اليورو بشكل خاص. وكذلك إذا كان جزءا كبيرا من الزيادة الأخيرة في نسبة البطالة في الاقتصادات الرئيسية قد تحول ليصبح هيكلياً، فإن ذلك ربما يؤدي إلى انخفاض مسار النمو لعدة سنوات مقبلة.
ختاماً، أدت أزمة ديون اليونان وتداعياتها، وبطء تعاطي دول الاتحاد الأوروبي في تقديم حلول شاملة ومقنعة لتهدئة قلق الأسواق المالية، إلى تسليط الضوء على مخاطر الديون السيادية المرتفعة، التي تتعذر خدمتها في بعض الدول الصناعية، ووجوب العمل على تبني تدابير وإجراءات لتخفيض أحجامها. والتطور الثاني المهم من الأزمة الحالية هو أن بعض الدول الصناعية، ذات الديون المرتفعة، خصوصاً في منطقة الاتحاد الأوروبي, لن تستطيع تقديم الدعم المالي لإنقاذ المؤسسات المالية وغيرها من الشركات ذات القاعدة المهمة للاقتصاد المحلي للدولة في حال تكرار ما حدث بعد إعلان إفلاس بنك ليمان برذارز Leman Brothers من تعرض مؤسسات مالية وشركات في الدول الصناعية لشبح الإفلاس لولا تدخل الحكومات لإنقاذها. وذلك لأن الحكومات ستكون مضطرة إلى وضع آلية لتخفيض حجم ديونها بسبب رفع وكالات التصنيف الدولية لدرجة المخاطر على الديون السيادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي