بين إيديولوجيا الفكر و الحضارة ..!

بين إيديولوجيا الفكر و الحضارة ..!

حرية الفكر من أساسيات بناء الأمم ، فهي المحرك الأساسي للنهوض باحتياجات الأمة ، لدعم المواطنة والمحافظة عليها . حينما تأتي مجموعة صغيرة جداً تطالب بالأشياء الجديدة على عقول لم تنهض من سباتها لتقبل فكرة الآخر ، يطالبون بها بشكلٍ "همجي" لايمت للتعقل والرزانة بصلة ، هذه المجموعة هدفها أن نكون مقلدين للغرب بكل شيء دون أي دراسة ولا إطلاّع . وتأتي مجموعة أخرى صغيرة أيضاً تطالب بالبقاء دون الارتقاء ، فلا يسمحون بالتطور ولا الانفتاح على فكرة الآخر للاستفادة من عقول أناس حكموا العالم بأسره ، بل يريدون ويفضلون البقاء دون التقدم والتطور والسمو ، لتتصادم مع صاحبتها وكلٌّ منهما تحمل شحنات سالبة ، فلا ولن يتم الالتقاء بين جسمين لهما نفس الشحنة ( الأفكار والمنطقيات التي تقودها نحو المستقبل ) . كلا المجموعتان على خطأ ، فالانفتاح (الغير متعقل) على فكرة غير مألوفة في مجتمع لا يعشق إلا المألوف هذا هو الخطأ بعينه ، والمكوث داخل أسوار الانعزال الحائلة بين التطور والرقي ومواكبة العصر في جديدة فهذا أيضاً خطأ فادح جداً . الاعتدال وتقبل فكرة الآخر هو ما نحتاج إليه في زمن لن تعيش فيه إلا إذا عملت بهذا النمط ، لا تفرض على الآخرين فكرتك حتى وإن كنت تعتقد بصوابها ، فبالحوار والمؤادبة سترى القبول بأم عينيك . حينما ننظر إلى أساليب المجموعة الأولى في الدعوة ، والمفاهيم الأساسية في قضيتهم ، نجد أنهم لم يقوموا بدراسة الأوضاع السيئة التي عاشتها وستعيشها الدول التي عملت بهذا المفهوم دون دراسة جادة وموزونة لمعرفة أفكار المجتمع وكيفية بث الحضارة بشكلها الصحيح في عقله ، ولا بدراسة التاريخ الإسلامي ومعرفة المسيرة الحضارية التي خلدها المسلمون . وأيضاً في المقابل نجد أن إخواننا في المجموعة الثانية عكفوا على التركيز بدراسة كافة العلوم الإسلامية ، ولم يعرفوا أن الدونية في مستوى تقارب الأمم لا ولن تكون للمسلمين ، ولم يعرفوا أيضاً أن التقدم ومواكبة العصر في جميع مخترعاته وأفكاره واجبة على المسلم ، لينهض بأمته ، ويعلوا بنفسه . نحن مجتمع يؤثرُ علينا ولا نؤثر ، أثروا علينا الغرب بحضارتهم المزيفة ، وبتعاملاتهم التجارية الرابحة ، سواءً بالعقل أو المال ، وهم في الحقيقة لا يملكون أي من مقومات الحضارة بشكلها الصحيح ، بل قاموا بفتح أبواب الحرية على مصراعيها دون أي ضوابط ، فكانت النتيجة ، مجتمع لا يعرف للتواصل والتحاب والتآخي والصحة طريقاً ، سلب للطاقات ، إستنزاف عجيب جداً ، كثرة الأمراض ، (29 ٪) من الأمريكيين ليس لديهم مأوى حسب آخر إحصائية ، أين هي الحرية لمواطن لم يعرف إلا الظلم والقهر . وللأسف أيضاً لأننا لم نفهم تعاليم إسلامنا بشكلها الوسطي التي عمل بها من جعلتهم يسودون العالم بزمانهم ، فكانت النتيجة حضارة إسلامية رائعة ، نظريات حسابية أخرجت الكمبيوتر والتقنية ، الطب ، الطيران ، والكثير من التقدم بالمفاهيم والحيثيات من خلال مجموعة من القواعد التي خطها المسلمون بماء الذهب ، ليستفيد منها الـآن العالم بأسره . يجب ألا نتجاهل هذه الأشياء إذا أردنا المطالبة ، فهي دليلنا الواضح على مستقبل الأمور . نحن لا نرضى بالإحتباس خلف جدرانٍ تحول بيننا وبين ضوء التقدم والرقي ، نحن نطالب بالتقدم وقراءة فكرة الآخر ، والإنفتاح على ثقافات الآخرين ، لنبدع ونعرف الجديد ، ولكن بضوابط وسطية رزينة . فالواجب علينا أن نتعلم ، ونعلم أطفالنا الطرق الصحيحة لمواكبة العصر ، ونعطي الفرصة لأفكارهم ونتعامل معها بجدية واهتمام ، ليزيد لديهم الإبداع ، وتتطهر عقولهم من بقايا "أوساخ" العصبية القبلية الطاغية علينا ، فما أجمل أن يعرفوا الدنيا بعين الاحترام والإخلاص والمثابرة وحب الغير .
إنشرها

أضف تعليق