شمعة علم تنطفئ .. الغديان يودّع الدنيا مخلفا ثروة فقهية هائلة

شمعة علم تنطفئ .. الغديان يودّع الدنيا مخلفا ثروة فقهية هائلة
شمعة علم تنطفئ .. الغديان يودّع الدنيا مخلفا ثروة فقهية هائلة

غيب الموت أمس الأول، العالم الكبير الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء عن عمر يناهز 81 عاما، و تمت الصلاة عصرا عليه في جامع الملك خالد في أم الحمام في الرياض، وحضر جنازته جمع غفير يتقدمهم المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا وعدد من طلاب الشيخ ومحبيه وطلاب العلم وتم دفنه في مقبرة أم الحمام.

نسب الشيخ ومولده ونشأته

هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن قاسم آل غديان. من آل محدث من بني العنبر من بني عمرو بن تميم، وينتهي نسبه إلى عمود (طابخة) ابن إلياس بن مضر من أسرة العدنانيين، ومن جهة الأم يرجع نسبه إلى آل راشد من عتيبة، وترجع عتيبة إلى هوازن. ولد عام 1345هـ في مدينة الزلفي.

الدراسة

تعلم القراءة والكتابة في صغره على عدد من المدرسين، حيث كان والده حريصا على تعليمه على عبد الله بن عبد العزيز السحيمي، وعبد الله بن عبد الرحمن الغيث، وفالح الرومي، وتلقى مبادئ الفقه والتوحيد والنحو والفرائض على حمدان بن أحمد الباتل، ثم سافر إلى الرياض عام 1363 هـ فدخل المدرسة السعودية الابتدائية (مدرسة الأيتام سابقا) عام 1366هـ تقريبا، وتخرج فيها عام 1368 هـ. 
عين مدرسا في المدرسة العزيزية، وفي عام 1371 هـ دخل المعهد العلمي، وكان أثناء هذه المدة يتلقى العلم على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، كما يتلقى علم الفقه على الشيخ سعود بن رشود (قاضي الرياض)، والشيخ إبراهيم بن سليمان في علم التوحيد، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم في علم النحو والفرائض، ثم واصل دراسته إلى أن تخرج في كلية الشريعة عام 1376 هـ، وعين رئيسا لمحكمة الخبر، ثم نقل للتدريس في المعهد العلمي عام 1378 هـ، وفي عام 1380 هـ عين مدرسا في كلية الشريعة، وفي عام 1386 هـ نقل كعضو للإفتاء في دار الإفتاء، وفي عام 1391 هـ عين عضوا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء.

#2#
 
العلماء والمشايخ الذين درس عليهم

تلقى طلب العلم على يد مجموعة من العلماء وطلبة العلم في مختلف الفنون، ومن أبرزهم إضافة إلى من سبق: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز تلقى عليه علم الفقه ولازمه سنوات طويلة في الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء التي كان أحد أعضائها الدائمين. ومن علمائه أيضا الشيخ عبدالله الخليفي - رحمه الله - في الفقه أيضا. 
والشيخ عبد العزيز بن رشيد في الفقه والتوحيد والفرائض، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه وعلوم القرآن والتفسير، والشيخ عبد الرحمن الأفريقي علم المصطلح والحديث، والشيخ عبد الرزاق عفيفي - رحمه الله -، وعبد الفتاح قاري البخاري - رحمه الله - أخذ عنه القرآن برواية حفص عن عاصم، يسنده إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وغيرهم. 
الشيخ معلما وشيخا
في المسجد

كان فضيلة الشيخ عبد الله الغديان - رحمه الله - بارعا في تعليمه طلابه في المسجد وفي الجامعة عندما كان يدرس في جامعة الإمام أثناء عمله من عام 1389 هـ وهو يقوم بتدريس الفقه وأصوله وقواعده، والحديث ومصطلحه، والتفسير وعلومه، والعقيدة، والفقه في حلقات منتظمة غالبة أيام الأسبوع حسب الظروف بعد المغرب وبعد العشاء، وأحيانا بعد الفجر وبعد العصر، ومن عام 1395 هـ كان - إضافة إلى عمله في الإفتاء- يلقي دروسا على طلبة الدراسات العليا في جامعة الإمام وكلية الشريعة في الفقه والأصول وقواعد الفقه وقاعة البحث ويشرف ويشترك في مناقشة بعض الرسائل، ومن خلال هذه الفترة تلقى عليه العلم عدد كثير من طلاب العلم، كما رشح عام 1381 هـ ضمن من ينتدبون إلى التوعية والإفتاء في موسم الحج إلى الوقت الحاضر، ولما توفي سماحة الشيخ عبد الله بن حميد عام 1402هـ، تولى الإفتاء في برنامج نور على الدرب.

أبناء الشيخ

الشيخ عبد الله الغديان كان متزوجاً أربع زوجات ــ رحمه الله ــ، وله عديد من الأبناء، لكن المعروف منهم ابناه الدكتور سعود بن عبد الله الغديان الذي كان مديرا للمكتبات وقبلها الدعوة في الخارج في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. وابنه الدكتور محمد بن عبد الله الغديان يعمل حاليا في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

أكبر أعضاء هيئة كبار العلماء سنا

يعد الشيخ عبد الله بن غديان أكبر أعضاء هيئة كبار العلماء عمرا، حيث بلغ عمره عند وفاته 81 عاما - رحمه الله -، وهو أيضا يعد الثاني في الترتيب بين أكبر العلماء قاطبة في السعودية من ناحية العمر ولا يكبره في السن من العلماء السعوديين الذين تولوا مسؤوليات سابقة وما زالوا على قيد الحياة سوى فضيلة الشيخ عبد الله بن عقيل الذي يناهز عمره 97 عاما - متعه الله بالصحة والعافية -، حيث يعد الشيخ العقيل أكبر عالم في السعودية سنا، ويعتبر الشيخ عبد الله الغديان من أقدم أعضاء هيئة كبار العلماء لم يكن أقدمهم يقينا وهو من علماء الصف الأول، وكان يشارك في برنامج نور على الدرب من سنوات طويلة بعد وفاة الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - والد رئيس المجلس الأعلى للقضاء. يشار إلى أن هيئة كبار العلماء تضم في عضويها من الجيل القديم من العلماء، عبد الله بن منيع، صالح اللحيدان، صالح الفوزان، وعبد العزيز آل الشيخ.

المرض يقعده عن الدروس العلمية

قبل أقل من عامين أقعده المرض إثر تعرضه لحادث عند خروجه من المسجد أحدث بعض الكسور، وأمر الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين بنقله إلى مستشفى التخصصي للعلاج حيث أمضى فيه فترة زمنية حتى تحسنت صحته، وأيضا الشيخ - رحمه الله - كان يعاني بعض الأمراض وظل بعيدا عن إلقاء الدروس ومباشرة الإفتاء بعد تعرضه لهذا المرض الأخير إلى أن توفاه الله. رحمه الله رحمة واسعة.  

مشائخ يتحدثون
عن مآثر الشيخ

وقد تحدث عدد من المشائخ عن وفاة الشيخ ومآثره، يقول الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري عضو محكمة الاستئناف: «لا شك أن الشيخ عبد الله الغديان - رحمه الله - كان من العلماء الربانيين الذين أبلوا بلاء حسناً في طلب العلم واتبعوا منهج السلف الصالح والحرص على الخير وكان طوال عمله إلى وفاته حريصا على إتقان عمله ولم تصدر منه فتوى شاذة وكان دقيقا في أسئلة السائلين ومتقنا لأصول الفقه وذا لطف في تدريس طلابه وله عناية عظيمة بالقواعد الفقهية وكان محبا للخير وأهله ومتواضعا تواضعا جما، وقد خسرت الأمة بوفاته علما من أعلام الإسلام العمالقة فهو من أقران العمالقة الكبار من أمثال الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - وبموته تنطفئ شمعة من شموع العلم الشرعي. نسأل الله أن يغفر له ويبارك في عقبه من بعده ويتقبله في الصاحين ويحسن عزاء الأمة فيه ويخلفها ويحسن عزاء أهله وذويه وتلامذته وكان مبرزا في الرؤى رغم أنه لا يحبذ العمل بها فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
من جانبه، يقول الشيخ خالد الهميش إن فضيلته كان من العلماء الربانيين الذين يفيدون الأمة خصوصا في علم الفقه وعلم الأصول، وكان صارما في تعليم طلابه ويحرص على أن تتحقق لهم الاستفادة المطلوبة.