عندما ترحل المواهب!!

عندما ترحل المواهب!!

هناك صنفٌ من الناس - وهم قلة - اختصهم الله دون سواهم بصفات نادرة في الخَلْقِ أو في الخُلُق، وبعضاً من هذه القلة تتلقفهم أيدٍ حانية، تدرك قيمة مواهبهم، ومدي حاجة الآخرين إليها، فتجعل من كل ذي موهبة مشروعاً بشرياً تستثمر فيه، ليس من أجل الربح المادي، ولكن بُغية إبراز نموذج بشرى، مأهول بطاقات وقدرات وملكات خاصة، إلى الوجود. لكن الجزء الأكبر من هذه القلة الموهوبة يبقى مطموراً تحت الأرض، إذ لم يجد يداً تنقب عنه، وتبذل العناية في إماطة اللثام عنه، أو أن فرص البزوغ قد أفلت في وجهه فتَعَسَّرَ ظهوره على مسرح الحياة، أو أنه عاني إهمالاً وتجاهلاً في زمن لا يقيم وزناً إلا للدرهم والدينار، أو غير ذلك من أسباب، كالجهل بالنفس، أو تدنى مستوى الطموح..الخ. الناسُ في واقعنا يبذلون جهوداً مُضنية وهم يبحثون عن الكنوز من الذهب والماس وما شابههما من كل غالٍ وثمين، فإذا كان العنصر البشرى أغلى من كل ذلك استناداً إلى أي معيار للتقييم، فلماذا لا تُبذل جهوداً مُمَاثلة للبحث عن جواهر بشرية غائصة في رمال النسيان والإهمال؟!. إن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها المنشودة، وحَائزُ الموهبة هو من يُحدثُ الطفرة والقفزة والفارق في مكانه ومجاله، ولذا وجب التقاطه بعناية وتلميعه برفق، ثم وضعه في مقدمة الصف ليقود سرب الناجحين نحو تطوير وتجويد العمل، لا أن تُقتل موهبته قتلاً مع سبق الإصرار والترصد، لأن المقدمة محجوزة مُقدماً للهابط بالمظلة عن طريق زيد أو عمر.. لتكن الكفاءة هي الفيصل!!. كم من موهبة قد أعياها طول الانتظار، في محطة لا يأتي لها قطار، فإما أن تسرقها يد سبقتها عين فاحصة تجوب الأقطار، أو تسحبها دوامة يأس إلى هوة ما لها من قرار، والمحصلة هي خسران مبين لمجتمع يُجرد من النوابغ سرقة أو إحباطاً.. فأنى لمجتمع هذا شأنه أن يحقق في ميدان الإجادة شيئاً يُذكر. رعاية الموهوبين، أو مراكز الموهوبين، أو ما دار في فلكهما من مُسميات، ما هي في الواقع العربي إلا شعارات براقة، أو لافتات أنيقة، لأن من يعملون بها يعملون تحت كلمة "موظف" لا تحت مفهوم "مُكتشف"، فتكتسي كافة الأعمال بتلك المراكز باللون الروتيني المعهود، والترتيب الورقي المُتقن، وانتهى الأمر عند هذا الحد، وذا طريق لا يؤدى إطلاقاً إلى العثور على موهبة إلا بالصدفة المحضة، وعليه فمطلوب وبشدة إعادة تقييم الأمور وتصحيح المسار. بقيت كلمة.. إن عدم اكتشاف المواهب يعني عملياً سجنها في قوالب نمطية، أو قتلها كمداً وحسرة، أو السماح بمغادرتها إلى أرض تعرف قدرها... إن الموهوبين قلة، فإما أن يكونوا هنا أو يكونوا هناك.
إنشرها

أضف تعليق