النمو القوي رفع التوظيف ولم يخفض البطالة

تنتج البطالة بشكل عام من تراجع النشاط الاقتصادي وانخفاضه تحت مستوياته الكامنة. وكلما انخفض الناتج المحلي الإجمالي تحت مستويات التوظيف الكامل للعمالة, ارتفعت نسبة البطالة. وكان من السهل على المراقبين وخصوصاً المتخصصين بعلم الاقتصاد, إدراك هذه الظاهرة. وحاول بعضهم تطوير علاقة بين معدلات البطالة ومعدلات تراجع مستويات الناتج المحلي. ووجدت علاقة طردية بين هذين المتغيرين وسميت باسم مطورها. ويحدد قانون أوكن Okun>s law العلاقة ما بين معدلات البطالة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. وهي عبارة عن علاقة طردية بين معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة. وتحدد العلاقة نسبة مئوية معينة للنمو أو التراجع الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي تحت مستوياته الكامنة واللازمة لخفض معدلات البطالة. وتراوح هذه النسبة بين 2 و3 في المائة نموا للناتج المحلي الإجمالي لكل خفض مقداره 1 في المائة من معدلات البطالة. والعلاقة مشتقة من المشاهدة العملية لمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة في الولايات المتحدة. وهذه النسبة غير ثابتة وتتغير حسب البلدان التي تجري فيها عمليات المشاهدة وحسب الفترة الزمنية أيضاً. فهل تنطبق هذه العلاقة على متغيري نمو الناتج المحلي ونسب البطالة الإجمالية في المملكة ونسب البطالة بين السعوديين بالذات؟
وتشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات المتعلقة بالعمالة في المملكة, إلى ارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين. وارتفع عدد العاطلين السعوديين عن العمل خلال فترة السنوات التسع المنتهية في عام 2008م من 229 ألف شخص في بداية الفترة إلى نحو 400 ألف شخص في نهايتها، وهو ما يمثل نسبة نمو سنوي خلال الفترة بلغت 6.4 في المائة سنوياً. وقد ارتفعت معدلات البطالة بين السعوديين من 8.1 في المائة من إجمالي القوة العاملة السعودية في عام 1999م إلى 9.8 في المائة في عام 2008م. وتبلغ قوة العمل السعودية نحو 4.1 مليون شخص في عام 2008م. وتشكل قوة العمل السعودية نحو 48.7 في المائة من إجمالي القوة العاملة في المملكة, التي يصل عددها إلى نحو 8.4 مليون شخص.
وكان حجم قوة العمل في المملكة قد بلغ نحو 5.8 مليون شخص في عام 1999م من بينهم نحو 2.8 مليون سعودي يمثلون نسبة مقدارها 48.3 في المائة من إجمالي قوة العمل في المملكة. وقد نمت قوة العمل الإجمالية في المملكة خلال فترة التسع سنوات الممتدة بين عامي 1999- 2008م بمعدل سنوي بلغ نحو 4.1 في المائة سنوياً. وبلغ معدل نمو قوى العمل السعودية في الفترة نفسها نحو 4.2 في المائة سنوياً. ونسبتا النمو السنوية لقوى العمل الإجمالية والسعودية تفوق نسبتي النمو السكاني السنوية لجميع السكان والسكان السعوديين خلال الفترة والبالغتين 2.4 في المائة، 2.5 في المائة. وارتفاع معدل نمو القوى العاملة الإجمالي والخاص بالسعوديين مقارنةً ً بنمو السكان, يشير إلى ارتفاع نسبة مشاركة السكان في قوى العمل. وهذا ناتج بدوره عن ارتفاع عدد الداخلين الجدد في سوق العمل مقارنةً بحجم السكان.
وترتفع تساؤلات عن أسباب عدم فاعلية النمو الاقتصادي القوي خلال السنوات الماضية في خفض معدلات البطالة بين السعوديين. وعلى الرغم من قصور النمو الاقتصادي في خفض معدلات البطالة بين المواطنين, إلا أن بيانات التوظيف تظهر نجاح النمو الاقتصادي في توليد نحو 1.3 مليون فرصة عمل إضافية للسعوديين. كما تظهر بيانات النمو والتوظيف وجود علاقة إيجابية متقاربة بين النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي ومستويات التوظيف. أما نمو القطاع النفطي فتأثيره محدود في التوظيف بسبب اعتماده الكبير على رأس المال، وهذا هو المتوقع سلفاً ولم تأت البيانات بشيء مفاجئ، حيث يوظف القطاع النفطي أعداداً محدودة تقل عن 1 في المائة من إجمالي حجم العمالة في المملكة. ويلاحظ من بيانات العمالة أن نسب السعوديين إلى إجمالي قوة العمل ظلت شبه ثابتة خلال الفترة، كما أن معدلات بطالتهم ظلت مرتفعة خلال الفترة على الرغم من النمو الاقتصادي القوي. وتسبب النمو الاقتصادي في رفع مستويات توظيف السعوديين والأجانب إيجابياً. وأثر النمو إيجابياً في بطالة الأجانب، حيث تراجعت معدلات بطالة الأجانب من نحو 1 في المائة في بداية الفترة إلى أقل من 0.5 في المائة في نهايتها. وهذا ناتج عن طبيعة وهيكل النمو في اقتصاد المملكة ودول الخليج، حيث يتركز النمو في القطاعات الاقتصادية التي توظف الأجانب بصورة رئيسية. وشهدت الفترة الماضية نمواً قوياً في قطاعات الإنشاءات التي تعتمد بشكل شبه كلي على العمالة الأجنبية، ولهذا فإن استفادة العمالة الوطنية من التوظيف في قطاع التعمير والإنشاءات محدودة. وتسهم معدلات النمو الاقتصادي القوية في المملكة في توظيف العمالة من دول كثيرة, ما يثبت التأثير الإيجابي للنمو الاقتصادي في المملكة على النمو الاقتصادي العالمي, خصوصاً الدول المجاورة والدول التي توفد أعدادا كبيرة من عمالتها إلى المملكة. وما زالت أنظمة العمل مرنة في قضايا توظيف واستقدام العمالة الأجنبية. وتدل البيانات على انخفاض فاعلية سياسات السعودة في رفع نسب توظيف السعوديين في القطاع الخاص وانخفاض قدرة هذه السياسات على إحداث تغيرات هيكلية في أسواق العمل.
وتظهر بيانات النمو والتوظيف والبطالة المتوافرة عن المملكة لفترة 1999- 2008, نجاح النمو الاقتصادي المطرد في إيجاد عدد كبير من فرص العمل للعمالة السعودية والأجنبية, لكنه لم يكن كافياً لخفض معدلات البطالة بين السعوديين. ونتيجةً لذلك, فإن علاقة «أوكن» لا تعمل في الاقتصاد السعودي وهذا راجع إلى النمو القوي في حجم العمالة الوطنية والأجنبية, وإلى انفتاح سوق العمل الوطني على استقدام العمالة الأجنبية ووجود أسواق عمل مختلفة للعمالة الوطنية والأجنبية, ما يعقد ويصعب من بناء علاقات تشمل جميع أسواق العمل في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي