الإعلام والشراكة التنمويـــة

لا تنمية بلا إنسان يصنعها ويتحول هدفاً لها، وإذا كان لهذا الإنسان أن يُحقق هذه التنمية في مجتمعه، وأن يتحمل تبعاتها، فإن عليه أن يكون مؤهلاً لذلك، فالإنسان رجلا كان أو امرأة لا يستطيع أن يشارك في التنمية إلا من خلال فهمه لها وقناعته وتقديره لأهدافها، ووسائلها، وأساليبها، والتزامه بها، فالمشكلة ليست في تفاصيل التطور والتحديث وطبيعة الحركة المتسارعة في المجتمع بغض النظر عن نوع المجتمع وثقافته، بقدر ما هي في تفاصيل السلوك الإنساني الذي يتغير بصورة دائمة وإيجابية ويحتاج إلى متابعة وسط تعقيدات الحياة.
وانطلاقاً من أهمية التنمية المتوازنة والمستدامة ، فإن الإنسان يظل المسؤول الأول عنها، والهدف الأساسي لصيانتها، والحفاظ عليها، ويظل نجاحه في هذه المهمة مشروطا بفهمه، واقتناعه بها والتزامه بتغيير سلوكه، وسلوك من حوله للوصول إلى تحقيق المشاركة العامة للمجتمع باختلاف ميولهم ورغباتـهم واتجاهاتهم.
وانطلاقا من أن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها وغايتها، فإن التساؤل عما يؤثر في سلوكيات الإنسان يطرح الإعلام أو ما يسمى السلطة الرابعة كأبرز العناصر المؤثرة في تكوين شخصيته، وفي تغيير سلوكه الاجتماعي والثقافي والحضاري.
الإعلام اليوم يتناول قضايا التنمية متفاعلاً معها، حيث أصبحا وجهين لعملة واحدة، وأصبح يقال لا تنمية بلا إعلام، ولا يمكن أن نحقق التنمية الصحيحة المحمية من الخراب والدمار ما لم نستعمل الإعلام كوسيلة نقل أساسية قادرة على التفاعل، وتغيير السلوك الاجتماعي والثقافي نحو التنمية الصحيحة.
إن التخطيط التنموي لا يستقيم إلا إذا كان مبنيا على الرؤية الوطنية ثم الوحدة العالمية المتكاملة تخطيطياً وتنفيذياً.
والإعلام لا يمكن إلاّ أن يكون رؤية إعلامية متكاملة من حيث التخطيط والتنفيذ والمتابعة، وإذا كنا نؤكد دائما أن محور التنمية هو الإنسان، فإن ذلك وفي إطار الإعلام يجب أن يؤخذ بأوسع معانيه، لأن الإنسان هو الوسيلة والغاية والهدف، وعند الحديث عن الإعلام، فإننا نعني الإعلام بالمفهوم الشامل له وبمختلف وسائله المسموعة والمقروءة والمشاهدة، لأن الإعلام اليوم يعد المحرك الرئيس لكثير من القرارات الموجهة لمتطلبات المجتمع والرقيب على الإنجاز.
وحيث إن المواطن والوطن هما الهدف الذي يُسعى إلى الرفع من شأنهما وتطويرهما، فإن الملاحظ اليوم أن الإعلام لم يضع الرؤية الكاملة للدور الذي يمكن أن يقوم به لإصلاح بعض الأخطاء الممارسة سواء من القطاعات العامة أو الخاصة أو الأفراد.
إن الفجوة الموجودة اليوم بين بناء الإنسان وتنمية المكان لم تعد الفجوة التي يمكن إخفاؤها أو الادعاء بعدم وجودها، فبقدر ما صرف على مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، إلا أن الملاحظ سوء التعامل معها من خلال عديد من الممارسات الشخصية التي من أبسطها ما نشاهده يوميا من سلوكيات غير حضارية في مدننا الحضارية من سهر حتى الصبح، وتسيب وظيفي، وعدم احترام للوقت، وضعف في العلاقات الاجتماعية، وارتفاع في حجم النفايات والمخلفات، وتشويه وتخريب لكثير من عناصر التنمية وحوادث مميتة، وعدم احترام لحقوق الآخرين، وأخطر من هذا جميعا الاعتداء غير المبرر على الأراضي، وادعاء تملكها وغيرها كثيرة، مما يتطلب دورا إعلاميا مخططا لمواجهة ذلك وإعادة بناء الإنسان الحضاري البناء الصحيح.

وقفـة تأمـــل:

لا تعذليـه فـإن الـعـذل يولـعـه
قد قلـت حقـا ولكـن ليـس يسمعـه
يكفيه مـن لوعـة التشتيـت أن لـه
من النـوى كـل يـوم مـا يروعـه
مـا آب مـن سـفـر إلا وأزعجه
عـزم إلى سفـر بالرغـم يزمعـه
كأنمـا هـو فـي حــل ومرتـحـل
مـوكـل بـفـضـاء الله يـذرعــه
ودعتـه وبــودي لــو يودعـنـي
صفـو الحيـاة وانــي لا أودعه

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي