Author

فتح المجال للكشف البنكي التطوعي

|
من دون كشوف بنكية صعبة التلاعب لا يمكن إدارة ملف الفساد بشكل متقن. وضبط ثروات الموظفين عبر الكشف البنكي لا يتم بمعزل عن إجراءات متعددة تسهل من عملية تضييق النطاق في وجه الفساد. فعلاوة على الصلاحيات الممنوحة للجنة المشكلة لمعالجة مصيبة جدة، وإضافة الأنظمة والمراسيم القديمة، توجد آليات إما دولية وإما محلية مفيدة للعلاج. فمثلا، وفقا للاتفاقيات الضريبية التي أبرمتها المملكة مع عديد من الدول، كما تنص المادة 25 مثلا من اتفاقية منع الازدواج الضريبي الموقعة بين المملكة والهند، للمملكة الحق في طلب معلومات لتنفيذ أحكام اتفاقية منع الازدواج الضريبي أو لتنفيذ الأنظمة المحلية المتعلقة بالضرائب. ومعلوم أن المملكة تفرض ضريبة دخل وتفرض زكاة ولا يمكن أن يفلت أي موظف حكومي مقيم في المملكة أو له استثمارات في المملكة من التزاماته المالية. ومعرفة دخل الموظفين في البلدان التي ترتبط معها المملكة باتفاقيات ضريبية ستضيء بعض الجوانب المبهمة في معرفة ما يحدث خارج الحدود. كما أن نظام غسل الأموال نظام يحمل أسلحة كفيلة بالقضاء على بؤر الجراثيم بشكل فعال. فقد جرم الأفعال التالية واعتبرها جريمة ''غسل أموال'': 1- إجراء أي عملية لأموال مع العلم بأنها ناتجة عن نشاط غير مشروع. 2- نقل أموال أو استخدامها أو حفظها أو تلقيها أو تحويلها مع العلم بأنها ناتجة عن نشاط غير مشروع. 3- إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال أو مصدرها أو تحركها أو ملكيتها أو مكانها مع العلم بأنها ناتجة من مصدر غير مشروع. أيضا، يعد مرتكبا للجريمة ذاتها كل من اشترك فيه من رؤساء مجالس إدارات المؤسسات المالية أو أو موظفيها أو مدققي حساباتها. كذلك، وحدة التحريات المالية المنشأة بموجب نظام مكافحة غسل الأموال من مهامها، تلقي البلاغات وتحليلها وإعداد التقارير عن المعاملات المشبوهة. كما أن العقوبة المنبثقة من هذا النظام تقرر السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات أو بغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال- أو بكلتا العقوبتين - مع مصادرة الأموال محل الجريمة. وتغلظ العقوبة إذا كان مرتكبها شخصا يشغل وظيفة عامة إذا اتصلت الجريمة بوظيفته لتصل إلى السجن لمدة 15 سنة وغرامة مالية تصل إلى سبعة ملايين ريال - كلتا العقوبتين وليس إحداهما. إذاً لا يوجد عذر لا في ملاحقة مرتكبي الجرائم ولا في عقابهم. العقدة هي في الوصول إليهم وفي تنفيذ الأنظمة السارية. وهذا الأمر فيه توجيه وأمر ملكي من أعلى قيادة في هذا البلد. إذاً المسألة يجب أن تكون مسألة وقت ليس إلا. بالطبع، لا يقل عن معالجة المرض، السعي الدؤوب لإيجاد آليات تكفل عدم تكرار حدوثه. وفي تقديري لن يكفل عدم تكرار تلك المصيبة إلا الحزم. دون ذلك، ستمر هذه المشكلة مرور الكرام وسنتعب من ملاحقة الأخبار وتتبع الإشاعات حتى نصل إلى درجة عالية من الإحباط. والقصص تتوالى ولكن إلى الآن لم نتمكن من وضع سور منيع يكفل عدم تكرار ما يحدث، وما حدث لكتاب العدل في مدينة جدة ليس ببعيد ومع هذا فهناك صمت أطبق بجناحيه على ما حدث، فلا أعلنت براءتهم حتى لا تتلطخ سمعة الجهاز، ولم توجه تهمة محددة حتى لا يؤخذ النزيه بجريرة المذنب. لا أعتقد أن سيول جدة كفيلة بطمر ما حدث ونتج عنه ضحايا بشرية، وما زالت أراهن وأتحدى كل المحبطين والمخذلين أنها ستكون مفصلا في تاريخ العمل الحكومي. ختاما، حتى لا يكون الحديث عن الكشف البنكي مجرد تحريض على ''الغير''، أقترح إيجاد آلية لمن يريد أن يتطوع ويكشف عن حساباته البنكية بشكل اختياري لعلها تكون بذرة تنمو وتتعملق في المستقبل القريب. ويشرفني أن أكون ثاني من يتقدم طواعية بتقديم كشف بنكي على جميع حساباتي البنكية، أما من تطوع أولا لتقديم كل ما يكشف عن ذمته المالية منذ أول يوم في العمل الحكومي إلى اليوم - وليس إلى آخر يوم عمل حكومي - فهو الدكتور عبد العزيز الثنيان وكيل وزارة ''المعارف'' سابقا. أشعلوا الشمعة أرجوكم أو دلونا على مكان بيع الشموع.
إنشرها