انتعاش الاقتصاد العالمي والتحولات التي تجابه قطاع صناعة الطاقة (3 من 3)

إن المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ تعكس تحول القوة الاقتصادية والنمو في الطلب على الطاقة لمصلحة البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. المفاوضون في مؤتمر كوبنهاجن، لم يتوصلوا إلى مشروع اتفاق متكامل يخلف بروتوكول كيوتو، الذي ينتهي في 2012. حيث إن المواقف التفاوضية للبلدان النامية والبلدان المتقدمة أو البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لا تزال متباعدة. من الأمور الرئيسة التي تمثل تباينا واختلافا كبيرا في المواقف بين الجانبين تتعلق بمستوى أهداف الانبعاثات والتمويل المطلوب. الموقف التفاوضي الموحد بين البلدان النامية هو مبدأ مسؤوليات مشتركة لكنها مختلفة، كما صيغ في مؤتمر المناخ في ريو دي جانيرو في عام 1992. حيث إن التمسك بهذا المبدأ بالنسبة لهذه البلدان له أهمية حيوية في الحفاظ على التعاون الدولي بشأن تغير المناخ على المسار الصحيح. حيث يتعين على الدول المتقدمة الوفاء بمهمة خفض الانبعاثات التي حددها بروتوكول كيوتو، ودعم الدول النامية في مواجهة تغير المناخ. في حين أن بلدان منظمة التعاون وخاصة الولايات المتحدة تؤكد على مسؤوليات شاملة، والبلدان النامية تشير إلى العوامل التي تبرر الاختلافات في وجهات النظر بخصوص جهود التخفيف.
في هذا الجانب يشدد المفاوضون من البلدان النامية على أن نصيب الفرد من الانبعاثات لدى البلدان النامية منخفض، بل حتى الانبعاثات التراكمية لهذه البلدان منخفضة أيضا. بينما الدول المتقدمة مسؤولة عما يقرب من ثلاثة أرباع الانبعاثات التراكمية منذ بداية الثورة الصناعية. إضافة إلى ذلك فالبلدان النامية أقل قدرة على دفع ثمن تخفيف الانبعاثات، حيث تركز على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها قبل اتخاذ قرارات بشأن أهداف المناخ. وبالتالي البلدان النامية تشير إلى مبدأ مسؤوليات مشتركة لكنها مختلفة لتشجيع البلدان المتقدمة النمو للتعويض عن انبعاثاتها التاريخية. التوفيق بين هذين الرأيين بخصوص الانبعاثات يظل واحدا من أهم التحديات للتوصل إلى اتفاق بشأن تغير المناخ عن طريق التفاوض.
التحول الآخر الجديد الذي يواجه قطاع صناعة الطاقة في العالم هو الابتكار التكنولوجي في مجال الطاقة بصورة عامة والطاقة المستدامة بصورة خاصة مع استمرار وجود طاقات إنتاجية فائضة في جميع أسواق الطاقة. الابتكار والتقدم التكنولوجي مستمر في لعب دور مهما وحاسم في قطاع صناعة الطاقة. فإنه ليس مقصورا على منطقة معينة أو مصدر معين من مصادر الوقود. في بعض الحالات، التقنيات القديمة يجري تطبيقها بطرق وأساليب جديدة ومبتكرة لزيادة إمدادات الطاقة أو من أجل تنويع استخدامات المنتج. في حالات أخرى، التكنولوجيا تنتشر عبر الحدود لابتداع أسواق جديدة للتصدير، على سبيل المثال، معدات الحفر المستخدمة في صناعة النفط والغاز تستند إلى تقنيات وضعت أصلا لإنتاج المياه. التوربينات الغازية ذات الدورة المركبة استنبطت من تقنيات مستخدمة في صناعة الطيران، في حين أن نظام النقل المستقبلي الذي يعمل بالطاقة الكهربائية من المرجح أن يعتمد على بطاريات وضعت أصلا لأجهزة إلكترونية صغيرة. الابتكار التكنولوجي ونقل التكنولوجيا يتزايد وحتى الطاقات الإنتاجية الفائضة في أسواق الطاقة مستمرة عند مستويات مرتفعة وتحتاج إلى وقت قبل أن تعود إلى مستوياتها الطبيعية، حيث إنه حتى إذا كان الانتعاش الاقتصادي ذا قاعدة عريضة وقوية، فإن الطاقات الإنتاجية الفائضة من النفط، الغاز والطاقة الكهربائية ستستمر في معظم الأسواق حتى منتصف العقد الحالي. في الوقت نفسه الابتكار التكنولوجي سينتشر لتطوير أسواق جديدة للتصدير، فهناك دعم حكومي قوي لتسريع نشر الطاقات الخضراء وتكثيف الجهود على تكنولوجيا البطاريات للسيارات الكهربائية.
الطفرة الكبيرة التي حدثت في الآونة الأخيرة في تقنيات إنتاج الغاز من المصادر غير التقليدية مذهلة. حيث إنه خلال الفترة الممتدة بين عام 2007 ومنتصف عام 2008 فقط، أسفرت تقنيات الاستخراج الجديدة عن زيادة قدرها 15 في المائة في إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة من هذه المصادر، حسب إحصائيات وزارة الطاقة الأمريكية US Department of Energy. طبقات الصخر الزيتي أو ما يعرف بالسجيل الغازي تعد اليوم من أكثر المصادر الواعدة لإنتاج الغاز من المصادر غير التقليدية، هذه الطبقات منتشرة في جميع أنحاء العالم. إن صناعة الغاز الطبيعي بدأت العمل والاستثمار في مصادر الغاز غير التقليدية منذ أكثر من ربع قرن، لكن الطفرة الكبيرة في الإنتاج استغرقت فترة طويلة قبل أن تتحقق. في عام 2000 إنتاج الغاز الولايات المتحدة من السجيل الغازي كان يقدر بنحو مليار قدم مكعب يوميا فقط، لكن منذ ذلك الحين، عملت الشركات على الاستفادة وتطوير التقنيات المتوافرة مثل الحفر الأفقي وتقنيات التكسير Fracturing Techniques بأساليب وطرق جديدة لاستغلال موارد الغاز من المصادر غير التقليدية بفاعلية أكبر، حيث عملت على زيادة معدل الاستخلاص الغاز من الآبار، تخفيض التكاليف بصورة كبيرة، ما جعل السجيل الغازي مجديا ومنافسا اقتصاديا.
التطور التقني الآخر المهم يركز على تمكين وتعزيز تكنولوجيا الطاقات الخضراء في مجال النقل والمواصلات. استخدام الطاقة الكهربائية لتشغيل المركبات تعد واحدة من عدة استراتيجيات تكنولوجية تتبعها الدول المتقدمة وتقدم لها الدعم القوي كجزء من سياسات الطاقة لتقليل استهلاك النفط في مجال النقل. المجالات الأخرى تشمل الوقود الحيوي من المواد السليلوزية، السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي والسيارات المهجنة التي تعمل بالبنزين والكهرباء. من الأمور الشائكة التي تواجه السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية هو حجم ووزن البطارية. مع تطور بطاريات أيونات الليثيوم التي توفر مرونة، من حيث الحجم والتركيب الكيماوي، فإن هذا النوع من البطاريات بدأ يكتسب أكبر قدر من الاهتمام حاليا. إن بطاريات أيونات الليثيوم ليست جديدة، لكن مع زيادة الرغبة والدعم لاستخدام الطاقة الكهربائية في مجال النقل، دفع الصناعة لإيجاد الوسيلة لتوسيع نطاق استخدام بطاريات أيونات الليثيوم في صناعة السيارات. إن المعوقات التي تجابه تلك البطاريات معروفة وتتصل بقابليتها على التحمل وكفاءة الأداء، العمل في ظل درجات حرارة متفاوتة، السلامة والتكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي