جسرُ الضوءِ لجازان، وأهمّ ثلاثة!

.. طرَح ملكٌ صيني قديمٌ ثلاثة أسئلة، كانت تحيّره، هي: من أهم شخص؟ ما هو أهم شيء؟ ما هو أهم وقت؟.. وراح يجوبُ الوديانَ والسهولَ بحثاً عن الأجوبةِ متنكراً بزيِّ فلاحٍ بسيط، حتى عثر على كوخ حكيمٍ منقطع في قمةِ جبل، فأعطاه الأجوبةَ الثلاثة: «انظر أيها الإنسان، أهم شخص هو الذي تراه بحاجةٍ، وتستطيع أن تقوم بحاجته. وأهمُّ شيءٍ أن تقومَ فعلاً بمساعدته. وأهم وقتٍ هذه اللحظة، الآن، بأن تهرع لمساعدته..».
نحن ناسٌ عاديون ليست مسؤوليتنا إعلان الحرب، فهذه مسؤولية رجال الدولةِ القائمين على حمايتها.. ولكننا كناسٍ عاديين مسؤولون عن عواقب الحربِ ونتائجها، لأن الذين يدفعون ضريبةَ الحربِ من خوفهم وأمانهم وعاديات معاشهم اليومي وربما حياتهم هم ناسٌ عاديون.
نحن لسنا من متمرسي العمل أثناء الحربِ وبعدها، وهنا أمران: أمرٌ حميد، وأمرٌ مهم. الأمرُ الحميد أن اللهَ منّ علينا بنعمةِ البعد عن الحروب الكبرى حتى الآن، ونسأل الله أن يبعدنا عن ويلاتها على الدوام. والأمر المهم أننا شعبُ بلا وعيٍ سابقٍ للعمل الحربي المدني، لم يعلمنا أحدٌ، ولم نمر بتجربةٍ حتى نتعلم. والعملُ الإغاثي المدني يشمل تقريبا كل تخصص يقوم به أي إنسان بأي مجال، في الطب والتمريض، في الأعمال، وفي الإعلام، أو في الفن، في الوظيفة الرسمية، أو بالعمل التطوعي.. وأهمُّ عناصر الوعي للعمل الإغاثي أن نعرف أن أهم الأشخاص حينها هم من عانوا من الحروب، وأهم ما يجب أن نقوم به من أجلهم المبادرة الآنية بمساعدتهم بما نملك من طاقة وقدرة.. وأن نقوم بها الآن!
الحربُ يجب ألا تشغلنا «الآن» سياسةً، كيف قامت؟ لمَ قامت؟ ما الذي سيحدث؟.. الذي يجب أن يشغلنا هو كيف نقلل خسائرَ الحرب بصفتنا المدنية. ومجتمعُنا فاجأنا بعملٍ مخططٍ ومسارع ومتسارع بهذا العمل. والمفاجأة لأننا لا نملك خبرةً ولا تدريبا بالمجهود الحربي المدني، ولا الإسناد الشعبي أثناء المعارك، ثم نفاجأ بأن المجتمعَ يقدم، في مأساتين متزامنتين للأمّة، وعياً وشهامة وتعاضدا، فتفاجئنا.. تفاجئنا بمبادرته، بحجمه، بتنظيمه، وبعطائه.. كانت كارثة سيول جدة، سيولاً من الدموع، ولكنها أفصحت عن شموس من الأعمال المجيدة، وكذلك المعاركُ التي تقوم في حدودنا الجنوبية.
ومن قطاع الإعلام، الإعلامية المبادِرَة «أسماء المحمد» تفضلت بالاتصال بي، ثم لاحقاً إرسال معلوماتٍ عن حملة مشرقة تضفي إجابة للأسئلة الثلاثة. العملُ الإعلامي للمجهود الحربي وللإغاثةِ هو قائدُ الأعمال المدنية لغوث الناس المتضررين والنازحين. لأنه الصوت، لأنه النداء، لأنه البوق الذي يُنفـَخ فيه لتنبيه قطاعات الأمة عن حاجات قطاعٍ من أبناءِ الأمة.. حاجاتٌ أساسية، حاجاتُ حياةٍ أهمُها الشعورُ بالأمان مرة أخرى، وهذا لا يكون إلا لما يرى الخائفون مواكبَ من أخواتهم وإخوانهم يأتون إليهم يطمئنونهم ويآزرونهم، ويقولون لهم: «لا تخافوا نحن معكم، لستم وحدكم..»، فهذه أثمن بضاعةٍ بشريةٍ على الإطلاق. لذا كانت الحملة التي تبشر وبادرت بها مجموعة من المبادرين أصحاب الهـِمّة مع الأستاذة «أسماء» تحمل عنوانا يأتي من طبيعتها: «الإعلامُ وطن».
أهم أهدافِ الحملة هي ما أسماه أصحابها بـ «جسر الضوء». رغم ظلام الحرب، رغم ظلام نتائج الحرب، رغم ظلام الحالة التي تصيب النازحين من مناطق الحروب والباقين بها.. إلا أنهم أصروا على الضوء والجسر، وهو رمزٌ شاهق التأثير والتفسير لما قامت من أجله الحملة ولما يجب أن يقوم به الإعلاميون جميعاً في سبيل إسعاف ومساعدة النازحين. وهو جسرٌ مضيءٌ لأنه بهدفٍ مضيء، جسرٌ يجب أن نمشي عليه خفافا سراعا لنرى وننقل الحالة التي عليها النازحون، فليس من رأى كمن سَمِع.. رؤيةُ دمعةٍ تنعصر من عين طفلة أضاعت مدرستها وكتُبها وألعابَها ورفيقاتها، ومن عين أم زائغة من الخوف على أطفالِها، وعين أبٍ يسكنه الروع من الحاضر ومن المجهول.. مشاهدُ تمزق القلبَ يجب أن تنقل للعين.. أقصر الطرق للقلب.
ولقد تطوع للحملة على رأس من تقدم، «مجموعة الطيار للسفر»، يقدمون كل ترتيبات السفر تبرعاً لكل إعلامي يريد أن يذهب للاستقصاء ثم للنقل، وهنا الإضاءة الأخرى في ظلام سينقشع قريبا إن شاء الله، وهو معدنُ أهل الأعمال الحقيقي والوطني في دعم وطنِهم وأهلهم في المُلِمّاتِ، بل هم العمود الفقري لسند كل الجهود المدنية.. فإننا لا نعلم أحيانا عن قيمة كبيرةٍ فينا إلا بضريبةٍ باهظة.. ولكنها طبيعة آليتها، كالأقمار لا تشرق إلا في الظلام. لقد تضافر أشخاصٌ مهمون في الإعلام مع حملة «الإعلام وطن»، ورأيت أن أسماءَهم تدل أنهم من مختلف مدن ومناطق وطوائف البلاد تتساند من أجل ثلاثة أهدافٍ وطنية: أهم الأشخاص: متضررو الحرب، أهمّ الأشياء: مساندتهم، أهم وقتٍ: الآن!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي