الوداع يا أبا هاشم

لم أفاجأ بوفاة صديقي وزميلي معالي الدكتور عبد الله المحمد العمران بعد أن أصابه الداء العضال الذي غاوله لأكثر من عام، فهذا قدره الذي شاء أن ينتقل إلى جوار ربه يوم الأربعاء الماضي (.. ولكل أجل كتاب.. وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.. وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا..)، لقد كنت لي يا أبا هشام الصديق والأستاذ والناصح والزميل، فأنا عملت معك في فجر حياتي القانونية بشعبة المستشارين بمجلس الوزراء، والتي يطلق عليها الآن هيئة الخبراء، وذلك بعد إيابك من فرنسا إثر حصولك على درجة الدكتوراة في القانون التجاري من كلية الحقوق بديجون عام 1968، لذا فقد حاولت عبر طرح الأسئلة الكثيرة عليك في بداية عملي والاطلاع على مذكراتك والأخذ بتوجيهاتك الاستفادة من خبراتك ومن عملك وعلمك خاصة أن رسالتك في القانون التجاري كانت عن (الحوالة البنكية le virement bancaire وهي رسالة يشار إليها كمرجع في المؤلفات التي اطلعت عليها لأساتذة القانون التجاري في فرنسا، وخاصة المؤلفات التي تشرح أحكام عمليات البنوك.. إلا أنها – حسب علمي – لم تترجم إلى اللغة العربية رغم لزوم ذلك. أقول.. لقد كنت لي الزميل الناصح الصادق الذي استفدت منه الشيء الكثير في حياتي العلمية، بل أنت أول من حثني على الذهاب إلى فرنسا للحصول على دبلوم الدولة للدراسات العليا في القانون الخاص، والواقع أن رأيك كان في محله، إذ تمكنت عند دراستي في الدبلوم من التعمق في القانون المدني، وأذكر أنك حذرتني من الصعاب التي سأتجشمها في دراسة دبلوم كهذا، وضرورة التمكن من اللغة الفرنسية، فكانت تهيئة نفسية لي جعلتني منتظرا ما جابهت من صعاب، كما أنها أعطتني العزم على مغالبتها، ووفقني الله وحصلت بعد عناء يقصم الظهر على دبلوم الدولة في القانون الخاص، الذي ألغاه متران وعصبته من الاشتراكيين فيما بعد، والواقع أني أحمد الله إلى هذه الساعة على سماعي نصحك، فهذا الدبلوم قدم فائدة لي لا تضاهى كرجل قانون وشرع، إذ إني تعرفت أثناء الدراسة فيه على طرائق البحث المنهجية، أكرر أنك كثيرا كنت الناصح الأمين والصديق المخلص، فقد كان نصحك له أثر جد محمود بالنسبة لعملي في المحاماة، سواء بالنسبة للقضايا القانونية أو الشرعية، كما أني استفدت من ذلك الدبلوم بالتعمق في مادة القانون المدني (خصوصا الالتزامات)، إذ إنها كانت المادة الرئيسة إلى جانب القانون الجنائي، فالالتزامات في الواقع هي حجر الزاوية la piece maitress du droit كما يقول البروفيسور مالوري في معارف كل رجل قانون وشرع، لقد كنت من أوائل رجال القانون الذين أنجبتهم هذه الديار، وعملت كثيرا لتطوير الكثير من القوانين عندما كنت وزيرا للدولة، كما أنك عملت بالمحاماة، وكان لك آراء صائبة ترمي تطوير نظامنا القضائي، ولا غرو فقد ألقيت لسنوات دروسا لطلاب معهد الإدارة في القانون التجاري وأيضا في القانون الإداري، كان لها الأثر الملموس في تطوير معارف خريجي كليات الشريعة الذين التحقوا بالمعهد ودرسوا عندك، ثم عينوا بعد تخرجهم في ديوان المظالم، فقد ارتقى هذا بمستواهم كقضاة، كما أنك عندما كنت في عملك في المحاماة تلقي دروسا لمادة القانون التجاري (تبرعا) في جامعة الملك سعود في قسم القانون في كلية الإدارة وكذلك في معهد الإدارة، وألفت كتابا في الأوراق التجارية هو الأول من نوعه في المملكة، فغدا مرجعا لرجال القانون والقضاء، إلا أن صروف الأيام صدفتك بعض الشيء عن عملك القانوني، وكنت أتمنى ألا يكون ذلك، فمثلك كان واجبا أن يظل في هذا المكان للرقي بهذه المهنة وكي يستفيد طلاب القانون من علمك، ومهما يكن من أمر فإن ما تركته من مؤلفات سيكون خالدا في القانون السعودي، رحمك الله يا أبا هاشم فقد خلفت أنت وقبلك الدكتور محمد الحسن الجبر، رحمه الله، فراغا كبيرا يصعب ملؤه بين رجال القانون في هذه الديار، آخر ما أقول هو عزائي لأبنائك الدكاترة (الأطباء) ولزوجك ولإخوتك وجميع طلابك ومحبيك ودعائي لك بالرحمة والغفران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي