المالديف تتنفس تحت الماء

في سابقة لم تحدث في التاريخ القديم أو المعاصر تم في هذا الشهر عقد اجتماع وزاري برئاسة رئيس جمهورية جزر المالديف ضم وزراء الدولة المسؤولين في قاعة اجتماعات على عمق بعض أمتار تحت مياه المحيط الهندي الدافئة وهم في ملابس الغوص غير الرسمية. وضم جدول الاجتماع بندا واحدا يتعلق بالتأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية واحتمال (اختفاء) الدولة قبل نهاية القرن الـ 21 من الخريطة الدولية. ويحمل هذا الحدث الذي تناقلته وكالات الأنباء باهتمام واسع، أكثر من دلالة تستوجب الوقوف لتحديد حجم المشكلات ومعرفة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
تعد دولة المالديف أصغر (الممالك) الإسلامية وأقلها عدداً في عصرنا الحديث. وتضم 26 جزيرة تقع في بحر لاكاديف Laccadive Sea المتصل بالمحيط الهندي على بعد 700 كيلومتر من سيريلانكا.. ولا يزيد إجمالي مساحتها عن 298 ألف كيلومتر مربع يسكنها نحو 310 آلاف نسمة أكثر من ثلث السكان في عاصمتها مالية Male.. ولقد دخل الإسلام إلى المالديف عام 1153م وذكرها ابن بطوطة في رحلاته تحت اسم محل ديبيات Mahel Dibiyate وعانت الاستعمار البرتغالي والهولندي والإنجليزي إلى أن نالت استقلالها عام 1965م كجمهورية مستقلة ذات سيادة عملت على تطوير بنيتها الأساسية ورفع مستوى التنمية البشرية للمواطن بها، وهي تصف حالياً في إطار الدول ذات الدخل المتوسط، حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد المالديفي 3654 دولارا حسب تقديرات عام 2008م وهي تعتمد على السياحة كمصدر رئيس ومستمر للدخل الوطني.
ولكن ماذا عن الجانب البيئي؟!
توضح الخريطة الجغرافية لدولة المالديف أنها تشكل مجموعة من الجزر أو الشعب المرجانية Atoll على شكل حدوة حصان تحيط بحيرة ضحلة قليلة العمق في وسطها.. وهناك اتفاق بين العلماء على أن عمر هذه الجزر لا يتجاوز ستة آلاف عام وهي مجرد غطاء Veneer من المرجان الذي تكون عبر هذه السنوات، ويتعرض دائماً للتغير في الشكل أو الامتداد بسبب ارتفاع مياه البحر أو زيادة درجة الحرارة، ومن ثم يؤدي إلى هبوط منسوب هذه الجزر المرجانية. ويقدر ارتفاع السطح في الوضع الحالي لهذه الجزر في حدود 2.3 متر في المتوسط فوق سطح البحر، وهناك بعض منها لا يزيد ارتفاع السطح عن 1.5 متر فوق سطح البحر، وتشير القياسات التي أجريت في الفترة ما بعد عام 1970م أن هناك ارتفاعا في سطح البحر بلغ نحو 20 سم (8 بوصات)، كما أن جزر المالديف عانت أيضاً من إعصار تسونامي Tsunamiالذي اجتاح جنوب غرب المحيط الهندي عام 2004م، وهي معرضة للمزيد من التدهور البيئي والدمار بسبب التغيرات التي تحدث في المنظومة المناخية العالمية والمتمثلة أساساً في ازدياد معدل درجة حرارة الأرض وبالتالي تباين في كميات المياه المتبخرة من المحيطات، وانخفاض الغطاء الثلجي في طرفي الكرة ألأرضية والذي قد يعرضها مستقبلاً إلى مزيد من الأعاصير والعواصف المدارية.
جدير بالإشارة أن هناك بعض الدلالات العالمية عن التغيرات المناخية قد تم رصدها تؤكد بما لا يدع مجالا إلى الشك في خطورة المشكلة البيئية في جزر المالديف والتداعيات التي قد تواجهها إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الدولية والإقليمية اللازمة للحد من آثارها السلبية نذكر منها:
ـ تعرض العالم خلال القرن الماضي لمجموعة من الظواهر البيئية المؤثرة على كوكب الأرض وحياة البشر على سطحه والتي تمثلت أساساً في ظاهرة الاحترار العالمي Global Warming وما صاحبها من احتباس حراري وزيادة نسبة الغازات الدفيئة وذوبان الغطاء الجليدي وزيادة الكوارث الطبيعية الناتجة من الأنواء المناخية المتطرفة واللاتوازن بين الطاقة الداخلة والخارجة من الغلاف الجوي. وتشير بعض الدراسات أن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت بنحو 0.74 درجة خلال الفترة من 1906 – 2005م، وأن هناك زيادة في معدل التهاطل المطري في نصف الكرة الشمالي بمعدل 4 في المائة يقابله جفاف في نصفها الجنوبي، وانخفاض في سمك الجليد في القطب الشمالي وصل أخيرا إلى متر واحد خلال العقد الأخير، إضافة إلى تآكل واضح في طبقة الأوزون أعلى الغلاف الجوي.
ـ على الرغم من وجود بعض النظريات التي تعزو التغيرات البيئية التي يشهدها العالم حالياً إلى العوامل الطبيعية سواء كانت عوامل فلكية أو عوامل تربط بما يحدث في باطن الأرض من انفجارات بركانية وغيرها، إلا أن العوامل البشرية وممارسة الإنسان في التعامل اللامسؤول مع الأنشطة الصناعية والتقنيات الحديثة يزيد من تداعيات هذه التغيرات السلبية وتفاقمها.
ـ هناك اتفاق (شبه) دولي على خطورة المشكلة وإدراك من المسؤولين الحكوميين متوافق مع خبراء البيئة والاقتصاديين على ضرورة الحد من تفاقم عوامل التدهور البيئي وحماية الأرض من أجل مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية.. وتم في هذا السياق عقد العديد من اللقاءات والمنتديات بدءاً من المؤتمر الدولي لقمة الأرض في ريودي جانيرو بالبرازيل عام 1992م وما أعقب ذلك من إعلان اتفاقية كيوتو والبروتوكولات الملحقة. ولقد حدد الإعلان الدول المعنية بخفض أو تحديد نسبة الانبعاثات للغازات الحابسة وشروط الموافقة وتمت المصادقة النهائية عام 2004م من غالبية المجموعات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجموعة الـ 77 - التي تضم غالبية الدول النامية – ومجموعة الدول المهددة مباشرة بارتفاع مستوى البحر (هولندا كمثال)، ومع ذلك فما زالت هناك مجموعة مناهضة بزعامة الولايات المتحدة وأستراليا وبعض الدول الصغيرة.
وخلاصة القول إن هناك دولة إسلامية ذات سيادة في أقصى المحيط الهندي تأثرت وستتأثر بانخفاض في جزرها المرجانية قد يؤدي إلى غرقها بالكامل وتشريد سكانها في المدى البعيد ـ وربما المدى المتوسط قبل نهاية القرن الحالي ـ وقام جهازها الحاكم بإرسال رسالة إلى العالم من تحت الماء بذلك.
ويبقى السؤال: هل تم تسلم الرسالة أم لا؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي