الولايات المتحدة وإدمان النفط

لا يفاجئني الرئيس الأمريكي بتصريحاته غير المحسوبة العواقب أو بمعنى دقة تصريحاته ومدى فاعليتها, فهي في كثير منها تتجاوز العقل أو الحصافة, فتصبح تصريحاته في الهواء الطلق بلا قيمة أو معنى أو دقة, وكما يصر كل مرة أنه انتصر في الحرب في العراق مع تساقط يومي من القتلى الأمريكيين حتى تجاوز العدد ألفي جندي أمريكي, وأصبح المستنقع العراقي مصيدة لذيذة لمن يبحث اقتناص كل ما هو أمريكي, وفشلت في استتباب الأمن وأيضا التكلفة الباهظة الشهرية التي يدفعها دافع الضرائب الأمريكي. والآن يخرج علينا الرئيس الأمريكي بقوله إن الولايات المتحدة مدمنة لنفط الشرق الأوسط, أو بمعنى أدق الخليج مع إيران, ويجب على الولايات المتحدة أن تنتهي من هذه التبعية والإدمان للنفط, من خلال البدائل المستقبلية أو مصادر أخر نفطية خارج دول الخليج. ويبدو لي أن الرئيس الأمريكي قارئ غير جيد اقتصاديا أو مستشاريه كما هو فهم السياسة لديه أيضا, وأتحدث هنا ليس من قبيل العاطفة الجياشة لما يمكن أن يحدث لو فعل الرئيس الأمريكي ذلك, ولكن أطرح بعض الأسئلة والتوضيح للرئيس الأمريكي, والسؤال الأول, ما مبررات احتلال العراق أولا؟ هل محاربة الإرهاب ؟ والعراق معروف أنه لم تنطلق منه رصاصة واحدة أو تفجير واحد ضد الأمريكيين, إذا نشر الديمقراطية كما يردد أو يفعلون الآن, وهو مبدأ حقيقي, ولكن يجب أن ندرك أن الحرية ليست للعراق مطلوبة , فهي مطلوبة في أوغندا والكنغو والصومال فهل بحثت عن نشر الحرية والديمقراطية لدى هذه الدول؟ بالطبع لا, إذا هو النفط والذي يملك العراق الاحتياطي الثاني في العالم بمخزون لا يقل عن 111 مليارا بمعنى 11 في المائة من الاحتياطي العالمي، فقد كان وزير الطاقة الأمريكي الأسبق جون هارنجتون قد أعلن في عام 1987 أن العراق يسبح على بحيرة من النفط، وأن احتياطياته ربما تفوق الاحتياطيات السعودية الضخمة التي تبلغ نحو ربع الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط.
والولايات المتحدة أكبر مستهلك عالمي للنفط باستهلاك يومي يقارب 18 مليون برميل, واحتياطي فقط يصل إلى 21 مليار برميل, بمعنى أنه خلال ثلاث أو أربع سنوات سينفد النفط الأمريكي لو استخدمت الاحتياطي وهي ما تتجنبه الآن, إذا الولايات المتحدة لن تجد نفطا متاحا إلا من خلال المزود الرئيسي وهو الخليج العربي مع إيران, وكان مدخل الولايات المتحدة لهذه المنطقة, من خلال شعار نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب باحتلال نفط العراق وليس العراق الدولة فقط, وأن تكون قريبة من الخليج العربي بقوة كافية وواضحة, ومع القضاء على حكومة طالبان, وتحييد نسبي لإيران وسيطرة على العراق ومحاصرة سورية, واستكمالا بإسرائيل, نجد هذا المثلث العريض الذي يمتد من أقصى الشرق لأقصى الغرب, من أفغانستان إلى إسرائيل, كطوق على دول النفط, والاستمرار بالضغط على إيران بتهديد ووعيد, يوضح أن الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو " النفط " لا غير, فهل يريد أن يقنعنا الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه سيستغني عن النفط الخليجي؟ وأقول بصفتي الشخصية أتمنى ذلك, حتى تخف الضغوط الأمريكية, ويجب عدم تصور أن السوق النفطية هي الولايات المتحدة فقط, بل هناك دول صناعية جديدة قادمة كالصين والهند وغيرهما من الدول, وأيضا استمرار انخفاض الاحتياطيات في كثير من الدول يعزز أي دور مستقبلي سيكون للدول الخليجية. وكان وزير الطاقة الأمريكي لسام بودمان في مؤتمر الطاقة الأخير بالرياض قال ما نصه "على الدول المنتجة للنفط أن تزيد استثماراتها في إنتاج النفط لمواجهة الطلب" وكأن هذه الدول المنتجة ليس لها من دور إلا رفاهية الدول الصناعية وأنها غير ملتزمة بأي تنمية داخلية في دولها.
وأخيرا, أريد التأكيد (كما يدرك الجميع) الولايات المتحدة ليس لها مصدر نفطي كبير أو بمعنى أدق لي لها (محطة بنزين كما وصفها أحد الاستراتيجيين الأمريكيين في السبعينيات) إلا دول الخليج بالإضافة إلى إيران, فلا نحتاج أن يسوق لنا الرئيس الأمريكي طريقة عدم الاهتمام أو قدرتها على الاستغناء, وكما اشتهر الرئيس الأمريكي بأنه كثير الأخطاء والغباء بين أسرته كمقولة الحرب الصليبية وغيرها, فهي كذلك الآن, لأنه كمن يقول (إن لم تنفذوا ما نريد سأقتل نفسي) بمعنى انتحار اقتصادي وهذه حصافة الرئيس الأمريكي, وليته يدرك الأبعاد الاقتصادية, وهل يدرك ذلك؟ هو يدرك, لكن تسويق شعارات رنانة لا معنى ولا قيمة لها هو صفته الدائمة, والأمريكيون لم يأتوا للعراق للنزهة واستكشاف دجلة والفرات والحضارة العراقية , بل غرس أنابيب النفط في أرضها ومدها بكل اتجاه واستنشاق دخان نفط العراق الذي يدير الآلة الأمريكية وصناعتها, والمستقبل لنفط الخليج شاء الرئيس الأمريكي أو لم يشأ, وإن أخطأ ككل مرة فلا جديد لديه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي