شكرا منافقة!

القيمة الاجتماعية تكتسب قوتها وضعفها من المجتمع نفسه، متى ما كان تفاعل المجتمع معها قويا كانت هي قوية موجودة ومؤثرة في البيئة، ومتى كان المجتمع لا يتفاعل معها تصبح ضعيفة غير مؤثرة حتى لو حاول تكريسها عدد قليل من الناس، فستظل غير مؤثرة عند عدم تفاعل المجتمع معها، كل القيم الاجتماعية ينطبق عليها هذا الكلام ولا استثناء.
أقول هذا الكلام وأنا على يقين أن كثيرا من القيم الاجتماعية صنعت من خلال أوهام بدأت كمرض شخصي ثم تحولت إلى وباء ينتقل شرا بين الناس، وأخرى صنعت من خلال قناعات بدأت كنسمة باردة ثم تحولت إلى أرواح طيبة تنقل الخير أينما حلت، وبين الخير والشر عقولنا التي تفكر وتعي فائدة هذا وأذى ذاك!
لا أحد ينكر أن النفاق كقيمة اجتماعية سيئة يتداخل كثيرا مع قيم أخرى جيدة هذه الأيام، فأضحى شكر "المسؤول" على أدائه عمله مطلبا اجتماعيا حتى تحول هذا العمل مع الأيام إلى قيمة لا يستغني عنها البعض، الآن لا نستغرب أن يشكر الطبيب على أدائه لعملية جراحية ناجحة، وشرطي المرور على نجاحه بتنظيم المرور، والمهندس على نجاحه بتوزيع مخطط أراض سكنية، والسباك على نجاحه بإصلاح أنبوب الماء المتعطل منذ شهرين! رغم أن عمل هؤلاء هو هذه الأعمال، يتقاضون راتبا عليها ولم يختارهم "المسؤول عن اختيارهم"، إلا لأنهم يملكون الحد الأعلى من المهارة لأداء ما هو أعلى من هذا، ومع ذلك يتم شكرهم علنا، وفي وسائل الإعلام بأشكال توحي أنهم من الرجال الخارقين للعادة، ويتم تمجيد هذا العمل الفردي الذي هو من صلب عملهم.
وإن تعمقت قليلا في حقيقة الأمر لوجدت أن هذا الدكتور الفاتح نجح في عملية وسقط في 30 أكثر من نصفها نسي فيها أدوات الجراحة داخل جسد المريض الغلبان، فيما شرطي المرور نجح في فك الاختناق اليوم وعاد أضعافا مضاعفة في شوارع أخرى، والمهندس الناجح بتوزيع المخطط السكني أعدم مالطا بمخططاته الأخرى "التعبانة"، والسباك أصلح الأنبوب وترك مئات الأنابيب ترشح على أناس عمي بكم لا ينطقون الشكر ولا يعرفون الشكوى لغير الله!
يجب أن يكون لـ "شكرا" قيمة عالية غالية، يجب ألا تُمتهن بالطريقة التي تمتهن فيها بإطلاقها لمن لا يستحقها لمجرد قدرة الشاكر المنافق على تكريس ما يريد لأنه يريد!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي