"الفيديك" وتسوية المنازعات الهندسية (2)

تناولت في مقال سابق دور المهندس في تسوية المنازعات الهندسية طبقاً لشروط "الفيديك", وعطفاً على هذا الموضوع, نرى أنه يترتب على صدور قرار المهندس أحد أمرين: الأول: أن يوافق عليه الطرفان ويقوما بتنفيذه طواعية، فينتهي النزاع؛ والثاني: أن يعترض أحدهما على قرار المهندس, فيحق لأي منهما أن يُرسل إخطاراً مكتوباً إلى الطرف الآخر, يُشعره فيه برغبته في اللجوء إلى التحكيم، مع إرسال صورة من هذا الإخطار إلى المهندس. ويجب أن يتضمن هذا الإخطار تفاصيل الاستحقاقات المُطالب بها. ولكن قرار المهندس يُصبح نهائياً وملزماً للطرفين إذا كان المهندس قد أصدر قراره في النزاع المرفوع إليه وأخطرهما به، ولكنه لم يتسلم من أي منهما ـ (قبل أو بعد انتهاء مدة 70 يوماً ابتداء من اليوم التالي لتسلمهما إخطار المهندس) ـ اعتراضاً على قراره أو ما يُفيد رغبتهما في اللجوء إلى التحكيم.
وفي الحقيقة إن اللجوء إلى المهندس للفصل في موضوع النزاع الناشئ عن عقد مقاولات أعمال الهندسة المدنية يُعد نوعاً من التحكيم الإلزامي الذي تفرضه شروط "الفيديك", التي أصبحت تتمتع بقبول منقطع النظير في العقود الدولية للإنشاءات، بل في العقود الداخلية، فلا يجوز اللجوء إلى التحكيم المؤسسي أو الخاص إلا بعد استنفاد طريق اللجوء إلى المهندس، ولكنه تحكيم من نوع خاص، يُراعى فيه تخصص المهندس وإلمامه بالجوانب الفنية لموضوع النزاع، وسرية المعاملات، وقلة التكلفة، وسرعة الفصل في النزاع، مع استمرار المقاول في تنفيذ الأعمال المُكلف بها بموجب العقد.
وإذا لم تتم تسوية المُنازعة بين صاحب العمل والمقاول عن طريق المهندس, فيتم اللجوء إلى التسوية الودية، ما لم يكونا قد اتفقا مُسبقاً على تسوية الخلاف. وفي هذا تُقرر المادة 67/2 من شروط "الفيديك" أنه إذا ما تم توجيه الإخطار بالرغبة في البدء في التحكيم في شأن موضوع النزاع, وفقاً للبند الفرعي 67/1، فعلى الأطراف محاولة تسوية أي نزاع ودياً قبل بدء التحكيم، شريطة إمكان بدء التحكيم، ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك، في أو بعد، اليوم الـ 56 التالي ليوم توجيه الإخطار بنية البدء في التحكيم في هذا النزاع، حتى إذا لم يتم التوصل إلى أي تسوية ودية
ولا تبدأ إجراءات التحكيم إلا بعد أن يوجه أحد الطرفين (المقاول أو صاحب العمل) إخطاراً ـ في حالة اعتراضه على قرار المهندس ـ إلى الطرف الآخر يُخبره فيه برغبته في اللجوء إلى التحكيم، مع إرسال صورة من هذا الإخطار إلى المهندس. ويجب أن يتم توجيه هذا الإخطار، قبل أو في، اليوم الـ 70 التالي ليوم تسلم الإخطار بقرار المهندس الصادر في شأن موضوع النزاع، أو قبل أو في اليوم الـ 70 التالي ليوم انتهاء مدة الـ 84 يوماً المُقررة للمهندس للفصل في الموضوع حسب الأحوال. ويُمكن بدء التحكيم قبل أو بعد إتمام الأعمال المُسندة إلى المقاول، شريطة ألا يتم تعديل التزامات صاحب العمل والمهندس والمقاول بسبب مباشرة إجراءات التحكيم أثناء تنفيذ الأعمال.
وطبقاً لشروط "الفيديك" هناك ثلاث حالات يتم فيها اللجوء إلى التحكيم: الحالة الأولى: المُنازعات المُتعلقة بالقرار الصادر من المهندس، إذا لم يُصبح نهائياً ومُلزماً للطرفين طبقاً للمادة 67/1. بمعني أنه إذا صدر قرار المهندس, وأصبح نهائياً ومُلزماً للطرفين, فلا يجوز اللجوء إلى التحكيم بشأنه، وإلا ترتب على ذلك إطالة الإجراءات دون مقتضى، ما يضر بالمعاملات في قطاع الإنشاءات. الحالة الثانية: إذا لم يتوصل الطرفان إلى تسوية ودية طبقاً للمادة 67/2 من شروط "الفيديك". والحالة الثالثة: إذا صدر قرار من المهندس فاصلاً في موضوع النزاع وأصبح نهائياً ومُلزماً، ولم يمتثل أحد الطرفين له، جاز للطرف الآخر أن يُحيل موضوع عدم الامتثال لقرار المهندس، أي يُحيل مسألة عدم تنفيذ الطرف لقرار المهندس إلى التحكيم وفقاً للبند 67/3 من شروط "الفيديك".
كما أنه طبقاً لشروط "الفيديك", يجوز لطرفي العقد أن يتفقا على طريقة تسوية النزاع عن طريق التحكيم الخاص ad hoc. فإذا لم يوجد في العقد ما يُشير إلى ذلك فيتم التحكيم طبقاً لقواعد التوفيق والتحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية، بواسطة مُحكّم أو أكثر يعينونه وفقاً لتلك القواعد. وهذا يعني أنه يجوز للطرفين اللجوء إلى غرفة التجارة الدولية في باريس لتتولى الفصل في النزاع طبقاً لقواعد التوفيق والتحكيم لديها، ويجوز أن يتم التحكيم لدى جهة أخرى، شريطة أن تُطبق هذه القواعد على المُنازعة. ويبدأ التحكيم لدى الغرفة بتقديم طلب التحكيم من الطرف الراغب فيه إلى أمانة هيئة تحكيم الغرفة مُباشرة أو عن طريق لجنته الوطنية، بشرط أن يكون هناك شرط تحكيم في العقد أو مُشارطة تحكيم بين الطرفين تنص على اختصاص الغرفة بالتحكيم في النزاع. وتتولى الأمانة إعداد ملف التحكيم واستيفائه قبل عرضه على المُحكم أو المُحكمين، مع تحديد مكان التحكيم ولغته والقانون الواجب التطبيق على النزاع، وتتشكل محكمة التحكيم من مُحكم واحد أو من ثلاثة مُحكمين، تبعاً لقيمة النزاع. والأصل أن حكم التحكيم الصادر من الغرفة يكون نهائياً غير قابل للطعن فيه، مُلزماً لطرفيه واجب النفاذ ويحسم نزاع التحكيم وتنتهي به الخصومة، ويصدر مكتوباً ويُوقع عليه أطراف النزاع، ويجب أن يتضمن بيان الأسباب التي بُني عليها، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، ويجب إقراره من هيئة التحكيم لدى الغرفة بعد فحصه وتدقيقه والتأكد من مراعاة المُستلزمات الشكلية التي يفرضها القانون الواجب التطبيق على الإجراءات، وغيرها من القواعد المُلزمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي