ماذا يُقصد بالحكومة التي تركز على المُهمات؟

لفتت جائحة كورونا "كوفيد-19"، إلى جانب التضخم والحروب انتباه الحكومات إلى التدابير اللازمة لمعالجة الأزمات الكبيرة.
في الظروف الاستثنائية، عادة ما يكتسب صانعو السياسات من جديد القدرة على اتخاذ قرارات جريئة. وخير مثال على ذلك، تطوير لقاح كوفيد-19 ونشره بسرعة كبيرة.
لكن الاستعداد لمواجهة تحديات أخرى يتطلب بذل مزيد من الجهود المتواصلة من جانب "الحكومة التي تركز على المُهمات".
واستلهاما للغة والاستراتيجيات الناجحة التي استُخدمت في حقبة الحرب الباردة، فإن الحكومات في أنحاء العالم تختبر برامج سياسية طموحة، وشراكات بين القطاعين العام والخاص، سعيا منها لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وبيئية محددة.
على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، بدأ برنامج الحملة الانتخابية لحزب العمال الذي يسعى لتنفيذ خمس مهمات نقاشا قويا بخصوص ما إذا كان ممكنا بناء "اقتصاد يركز على المُهمات" وكيفية تحقيق ذلك.
إن الحكومة التي تركز على المُهمات لا تهدف إلى الالتزام الصارم بمجموعة من الأفكار الأصلية؛ بل تُحدد المكونات الأساسية للمُهمات، وتدرك أن الأساليب المنتهجة لتنفيذها قد تختلف بحسب البلد المعني. وفي ظل الظروف الراهنة، تتضمن الآليات الجديدة للمهمات العامة إعادة تصنيف المؤسسات والسياسات القائمة أو إعادة توجيهها، ما يعَثِّر هذه المهمات أكثر مما يُسرعها... لكن هذا أمر جيد. ولا ينبغي لنا أن نتوقع حدوث تغيير جذري في استراتيجيات صنع السياسات بين عشية وضحاها، أو حتى على مدى دورة انتخابية واحدة.
إن التحديات المجتمعية الكبرى، مثل الحاجة الملحة لإنشاء نظم غذائية أكثر إنصافا واستدامة، لا يمكن معالجتها بالنهج نفسه الذي اعتُمد لتنفيذ مهمة الهبوط على القمر. إذ تتكون مثل هذه النظم من أبعاد تكنولوجية متعددة (في حالة الغذاء، تشمل هذه الأبعاد كل شيء بما في ذلك الطاقة وإدارة النفايات)، وتتضمن عوامل منتشرة على نطاق واسع، وعادة ما تكون منفصلة بعضها عن بعض، ومجموعة من المعايير والقيم والعادات الثقافية.
وليست المهمات مرادفة للسياسة الصناعية، لكنها قادرة (بل ينبغي لها أن تفعل ذلك) على تشكيل مثل هذه السياسات، وتوضيح أغراضها أو مقياس نجاحها. فعلى سبيل المثال، ماذا يعني أن تعمل السياسة على تعزيز القدرة التنافسية؟ هل نتحدث عن زيادة الإنتاجية والصادرات والناتج المحلي الإجمالي، أم عن الأجور وأشكال النمو الأكثر استدامة؟ إن الخيار الأخير يتطلب وضع توجيهات تتعلق بمهمة ما، لأن الأسواق بمفردها لن تحقق بالضرورة النتائج المرجوة.
ولا تقتصر المهمات على سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار فحسب.
إن الاستثمار في التعليم عالي الجودة والبحوث الأساسية لا يعتمد على نتائج مهمة ما. فنحن نعلم -فعلا- أن هذا الاستثمار يولد فوائد اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق. لكن عندما نريد أن يساعدنا التعليم والبحث على مواجهة تحدٍّ معين، فإننا نحتاج إلى مهمة معينة.
وكلما قل اعتقادنا أن الحكومات قادرة على القيام بأي شيء آخر غير إصلاح إخفاقات السوق، قلَّ استثمارنا في الإمكانات الأوسع نطاقا التي يتمتع بها القطاع العام. ومع أنه ليس من السهل توجيه الإبداع عن طريق السياسات القائمة على النتائج، والابتكار التصاعدي الذي يشمل القطاعات المختلفة، والعمليات المشتركة بين الوزارات، إلا أن الأمر ممكن. والمشكلة أننا لا نتذكر ذلك إلا أثناء الحروب والأزمات. وكان أحد الأسباب وراء قيامنا بتأسيس معهد UCL للإبداع والأغراض العامة هو تغيير الطريقة التي يُنظر بها إلى الخدمة المدنية التي تركز على تحقيق النتائج، وتطبيق "فكر اقتصادي جديد" يتعلق بسياسات تشكيل السوق في سيناريوهات حقيقية تحدث في العالم.
إن الحكومة التي تركز على المهمات حاسمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل، لمعالجة التحديات الكبيرة التي تواجهها البلدان. وهي لا تحتاج إلى اتباع مسار ثابت، لكنها تدعو إلى إحداث تغييرات جوهرية في طريقة عمل الحكومات، إلى جانب زيادة الاستثمار في قدرات القطاع العام.
خاص بـ "الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي