إنه الإرهاب الموجّه.. وليس الجهاد النقي!

مرة أخرى تكشف اعترافات محمد العوفي خطورة الاستهداف الموجه ضد أمننا الوطني، ومع الأسف أن أبناءنا المغرر بهم هم الوسيلة لزعزعة أمننا.. واعترافات العوفي التي جاءت بإرادته ونابعة من الحقائق التي تكشفت له عن تنظيم القاعدة.. نقول لعلها تكون الصدمة التي تكشف الغمة لأبنائنا الشباب الذين تورطوا بالإرهاب ضد أهلهم وذويهم وإخوانهم في الدم والعقيدة والإنسانية.
العوفي قالها صريحة، لقد قرر الرجوع عن القاعدة وفكرها الضال عندما عرف أن القضية ليست جهادا في سبيل الله، وليست حماية للدين وخوفا عليه من الكفار، ما يتم دفع الشباب إليه هو تخريب لأغراض سياسية خارجية تستهدف أمن المملكة، تقوده وتدعمه (دول استخباراتية) كما يقول العوفي، وهذه الحقيقة تكشفت له أثناء وجوده في اليمن.
لقد كان هو وجماعته يتلقون التعليمات من فئات تدعمها دول أبعد ما تكون عن الأهداف التي تعلن عنها القاعدة وتجند الشباب لأجلها، وهذه هي الصدمة والمفارقة التي جعلته ورفاقه يدخلون في صراع عميق مع الضمير، فما يسعون إليه يختلف عما تسعى إليه الفئة التي تقودهم وتوجههم وتمولهم، لذا قرر العودة إلى قناعاته ومنطلقاته الإيمانية التي هي منطلقات أهله وبلده، لذا سلم نفسه تائبا إلى الله.
مما قاله في اعترافاته المهمة التي بثها التلفزيون البارحة أنه وعندما عرف أن هناك دولا تقود هذه الفئة القليلة الموجودة في اليمن وتقود هؤلاء باسم المجاهدين، وتقدم لهم الدعم والتمويل عبر أشخاص (يدّعون الجهاد) وهم يمثلون أجهزة استخبارات، هنا أدرك أن الشباب من رفاقه المجاهدين ليسوا هم القادة الحقيقيين، إنما هناك "إدارة تدير من فوق، رغم أن الصورة الظاهرة مجاهدون".
ما كشفه العوفي نرجو أن يكون رسالة واضحة لمن قد يظنون أن القاعدة تنظيم يسعى للجهاد في سبيل الله من (منطلقات إيمانية) خالصة لوجهه سبحانه، هذه الحقيقة ـ أي ادعاء الجهاد ـ تتواصل الأدلة التي تدعمها كل يوم، لذا نرجو أن يكون ما كشفه رسالة للدول التي تعتقد أنها قادرة على (اللعب من الخلف) والطعن في الظهر دون أن تُعرف وتُكشف مخططاتها، وها هم الذين استأجرتهم ومولتهم يكشفون بأنفسهم وإرادتهم ما يحاك ضد أمن بلادهم، إن حبل الكذب والخداع قصير جدا!
المبادئ المستقرة في العلاقات السعودية الخارجية تقوم على احترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها، ولفترات طويلة ظل هذا المبدأ قائما حتى في الفترات التي كان فيها أمن المملكة وشؤونها الداخلية مستهدفين، فلم نرد بالمثل لأن الجبهة الداخلية المتماسكة هي المصد الأول الذي يقف أمام هذه التدخلات، والاستهداف الخارجي للمملكة عبر الإرهاب أول من تصدى له المجتمع قبل الدولة، والعائلات التي تورط أبناؤها في الإرهاب كانت هي السباقة للتعاون والتعاضد مع مؤسسات الدولة، إذ كانوا هم بمثابة رجال الأمن في تحريهم عن تحركات أبنائهم، وهذا برهان يعطي الاطمئنان على تماسك الجبهة الداخلية.
ما كشفه العوفي يذكرني بتلك الكلمة التاريخية الصادقة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في قمة الكويت ففي كلمته دعا ـ حفظه الله ـ إلى نبذ الخلافات وإلى الصدق مع النفس والصراحة والشفافية في العلاقات العربية لأن هذا هو المسار الصحيح الذي يؤدي إلى وحدة الشعوب وإلى حفظ الأمن القومي العربي وعدم اختراقه.
الملك عبد الله يدرك أن العالم العربي لن يستطيع أن يكون كيانا واحدا إذا ظلت النيات غير سليمة والأقوال غير صادقة وصريحة والأفعال ضد الأقوال. في أكثر من مناسبة يؤكد ـ حفظه الله ـ على أهمية هذا المسار السليم في العلاقات العربية ـ العربية, أو حتى في العلاقات العربية مع الكيانات والتجمعات العالمية.
ويبقى الأمن أهم مجال تحتاج الدول العربية إلى أن تكون صريحة وشفافة في كل ما يخصه, بالذات ظاهرة الإرهاب التي تحولت إلى ورقة سياسية مطروحة للإخلال بالأمن العربي, فالإرهاب (وباء) لا يمكن لأية دولة أن تظن أنها معزولة عنه, ونقول وباء, لأنه عابر للحدود متجاوز للقوميات, فالذي يلعب به كأنه يلعب بالنار!
والتعاون العربي الأمني لا يحتمل المواقف المتخاذلة أو المخادعة, يحتاج إلى الصراحة والوضوح وصدق النيات, فالعالم العربي تواجهه الأزمات من كل صوب, فهو يحتاج إلى الاستقرار ليتفرغ لقضاياه الحيوية المصيرية, ويحتاج إلى التفرغ وتوجيه الموارد لبناء المجتمع والإنسان, ومواجهة الاحتياجات القادمة في التعليم والصحة والإسكان, هذه التحديات أمانة في رقاب الحكومات العربية, عليها أن تتفرغ لها وتوجه مواردها للوفاء بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي